سئلت امرأة عن رأيها فيما قيل عن حرية المرأة وقيود الزواج، فتنهدت وتنفست الصعداء وعانقت السماء عاليا برأسها الذي غزاه الشيب واحمرت خدودها التي رسمت التجاعيد خارطة عليها بعدما أتت على كل جزء منها!
في بداية الأمر تصنعت الحياء والعفة والحشمة والوقار والخجل الذي لم يرى له مثيلا، وتلعثمت في الكلام والتفتت يمينا وشمالا وراحت تسترسل في الحديث قائلة:
إنه من الصعب التحديد والوصف في الاختيار في زماننا هذا، زمن السوط والحرية والمادة والاستغلال والسيطرة والإخضاع.. نحن في زمن لا يمكن لك التفوه بنصف كلمة ولا حتى التنفس ولا الاستنشاق.. زمن بات الشرف فيه جريمة والحشمة عار والتعفف غباء والوقار جهلا، وأصبح التعري موضة والخلاعة تحررا والخيانة حرية وما شابه ذلك في عالم تحرر المرأة وحريتها المقيدة والممنهجة والمسيرة والمكبلة لها.
مع الزوج فلا إحساس ولا شعور إلا الضجر والنفور، لكن مع العشيق فإنها تستمتع بكل معاني الكلمة قبل التحول من التعقل إلى التمرد ومن حال لحال، لأن طبيعة الحياة لا تمنح الهدايا بالمجان والمرأة في بداية حياتها الزوجية حسب مفهومها والأوامر المفروضة عليها تلقائيا من وجهة نظرها، فلا حرية ولا اختيار لها في ذلك.
هي مجبرة ومكرهة على ذلك وتتقبله على مضض دون رفض ولا اعتراض، بحكم العادات والتقاليد البالية والأحكام العرفية الجائرة والتسلط الذكوري الناجم عن الجهل وعدم الوعي الفكري والبناء الحضاري، نظرا للعقليات المتحرجة والعدوانية والسلوك العنيف والتحكم الأسري وقبضة أحكام الأهالي وتدخلاتهم اللامتناهية.. التي سيطرت نظرات المجتمع الذي لا يرحم، وما شجعها على التمادي هي تلك العناصر بكاملها كلية، التي سمحت لها بالتمرد والخروج عن المألوف وعن أحكام الشرع والقانون، وأي شرع وأي قانون .
شرع بني آدم الذي شرعه لنفسه على هواه وقانون الطبيعة الذي فرضه الإنسان وبسطه على مصراعيه لإشباع رغباته و نزواته وإطفاء ظمأ عطشه و إطفاء لهيب نار شغفه وولعه ووو إلخ.. كل شيء بات ممنوعا، حراما، لا يجوز، عيبا إلخ .. بعديد المسميات بينما هم يستحلون لأنفسهم ما يحرمونه على المرأة.
كل شيء لا يعقل ولا يصدق في مجتمع لا يطاق ولا يحتمل، يفرض الحظر في الحياة والعيش في وسط دائرة حلقة مفرغة كاملة المسميات بقائمة من المحرمات والممنوعات والمحظورات.. مجتمع مقيد بتعليمات أمة محاطة بأوامر من القادة وما أدراك ما القادة.. نعم القادة التي كرمت وقلدت بمختلف الأوسمة والنياشين والميداليات والتي باتت تحكم المجتمع الذي لا يرحم ضعيفه ولا فقيره ولا مسلوب الحرية في هذا العصر، فلا لوم في وقت الجبروت والسيطرة وحظر الرغبات وكبح الجماح في وقت أصبح فيه التنفس أكبر هم البشرية عامة والعنصر الأنثوي خاصة بما يعرف بالمرأة التي بات الكل يتغنى ويتحدث ويتكلم باسمها ويتصرف وكأنه وكيل أمرها وسيد زمام شأنها وينادي بحريتها، بل الأدهى والأمر هو تحررها وتفسخها من جلها دون رحمة ولا هوادة.
اللوم كل اللوم بات محصورا على الرجال أقل شهامة وأضعف شجاعة وفي وقت بات فيهم العاقل مغلوبا على أمره إما محكوما من غيره أو مسيرا من طرف هواه و متبعا لشهواته أو منصاعا لأوامر نزواته الحيوانية وغريزته الشيطانية وأمام ضعف شخصيته وانعدام وازعه الديني ورادعه الخلقي وانحلال بيئته وانفصالها من جذورها الراسخة الضاربة في أعماق زمن الرجولة الأشاوس والأنفة والأصالة والنخوة والعز والشرف.
منذ أن مات الضمير وانسلخت القيم وتحلت وتفسخت وذابت وانصهرت كلية وذر رمادها في مياه المستنقعات الراكدة التي باتت وحل لمصطادي المياه العكرة، فسلام على الأنوثة المرسومة المنقوشة الظهور وللتباهي، لا للإحساس و الشعور.
لكن بكل يقين قاطع للشك وبكل حزم جازم وبكل تأكيد وعد شرف وعهد ذمة فالحرة الأبية لا وألف لا، فلن تبيع شرفها ولن يداس لها على طرف ولن تنجر في أوكار الرذيلة ولن تسلك طريق الخيانة المحرمة بكامل الديانات السماوية والشريعة الإسلامية الغراء والرسالة المحمدية، مادامت تشهد بوحدانية الله الفرد الصمد وبشهادة نبيه مبلغ الرسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبكامل قواها العقلية والصحية، وما دامت لم تسلب منها حريتها ولم تتجرد منها قهرا عنها عنوة وقوة بدون وجه حق ولا مصاغ قانوني إنساني..
عن الغارقة في متاهات الزمن وشطآنه الممتدة عبر كامل ربوع المعمورة والعائدة إلى رشدها وجادة صوابها عن قناعة وطيب خاطر، فالحرة الأبية شريفة، عفيفة، منزهة مكرمة ليست سلعا تباع وتشترى ولا بضاعة ترهن وتستبدل ولا قطعة لحم تشرح وتشوى، ولا قطع قماش تفصل على المقاس وتقص بالمقص حسب الطول والعرض فهي آدمية.
لا وألف لا، أن يداس لها على طرف ولن يكتبها التاريخ ويدونها ويوثقها باسمها في سجلات أمهات الكتب، فيكفي أنها ولدت عذراء والعذراء ملكة في خدرها محاطة بخدمها وحشمها، فاسألوا الله اللطف والحماية والرأفة بالقواير عباد الله يرحمكم الرحمن.