الأدوية النفسية .........هل تزيد الأمر سوءاً؟!!!
الأدوية النفسية .........هل تزيد الأمر سوءاً؟!
2016/05/19 باسل قطان الطب وبيولوجيا الانسان, علم النفس 0
روبرت ويتاكر صاحب الكتاب المحذِّر من الادوية النفسية
الأدوية النفسية .. هل تزيد الأمر سوءاً؟
هذا المقال هو مقال رأي لكاتب ذو شأن في الصحافة العلمية وهو قراءة في الكتاب “تشريح وبائي: الرصاصة السحرية – الأدوية النفسية، والصعود المذهل للأمراض العقلية في أمريكا” (Anatomy of an Epidemic:
Magic Bullets, Psychiatric Drugs, and the Astonishing Rise of Mental Illness in
America) للكاتب روبرت ويتاكر (Robert Whitaker) وهو كاتب متميز في مجال العلوم والتاريخ وهو حاصل على عدة جوائز عن كتاباته مع ذلك فالمقال لا يمثل حقائق من قبيل الدراسات او الكلام المنهجي.
يناقش الكاتب في كتابه واحدة من أكثر القضايا المثيرة للجدل، حيث أقنعني ويتاكر أن الطب النفسي الأمريكي وبالتواطؤ مع صناعة الأدوية قد ارتكبا أكبر قضية في العلاج الطبي -ذو المنشأ الضار- في التاريخ!!
بداية بحثت عن أغلب علاجات الأمراض النفسية الرائجة في منتصف التسعينات ولاحظت خلال بحثي آنذاك الثورة التي أحدثتها مثبطات إعادة امتصاص السيروتونين SSRIs حيث أصبح البروزاك Prozac – وهو دواء تابع لمجموعة SSRIs – من أكثر الأدوية انتشاراً على أوسع نطاق.
حيث ساد الاعتقاد أن البروزاك يجعل المرضى أفضل من الحالة المثلى حتى!
بينما التجارب السريرية أوضحت شيئاً مختلفاً تماماً، فتبين أن مثبطات اعادة امتصاص السيروتونين ليست أكثر فعالية من المجموعات الأخرى من مضادات الاكتئاب (ثلاثية الحلقة TCAs، ومثبطات الأنزيم MAOI أكسيداز أحادي الأمين)
والمفاجئ أن مضادات الاكتئاب ككل لم تكن ذات فعالية أكبر من طرق “العلاج بالتحدث” سواءً المعالجة السلوكية المعرفية...........................، وذلك تبعاً لتحقيقات العديد من الأطباء النفسيين أمثال سيمور فيشر (Seymour Fisher) و روجر غرينبرغ (Roger Greenberg)، وأيضاً، تبعاً للعلاجات التي تعتمد على إعطاء الدواء الوهمي Placebo، التي تزيد من توقعات المريض بتحسنه بينما يعالج المريض نفسه بنفسه.
الطب النفسي لم يتقدم كثيراً منذ زمن بعيد، بل ولربما الآن له تأثير مؤذي على من هم بحاجة للمساعدة، وكتاب مثل “التشريح الوبائي” يتم تجاهله بشكل كبير من معظم وسائل الإعلام الرئيسية.
مؤ....ً وكما كان يفعل في منتصف التسعينات، ويتاكر يدّعي أن الأمراض النفسية الرئيسية الأربع (الاكتئاب، اضطرابات القلق، الاضطرابات ثنائية القطب، انفصام الشخصية) غالباً ما تكون عرضية و تتمتع بخاصية “الحد الذاتي” أي أن أغلب الناس ببساطة يتحسنون مع مرور الوقت، أما بالنسبة للأمراض النفسية المزمنة و الحادة فتعتبر نادرة.
لكن على مدى العقود القليلة الماضية، ارتفعت نسبة الأمريكيين المصابين بأمراض عقلية بشكل ملحوظ، منذ 1987 تضاعفت نسبة عدد السكان الحاصلين على تأمينات الأمراض العقلية ثلاث أضعاف، والنسبة زادت 35 مرة بالنسبة للأطفال دون عمر 18.
والمفارقة تكمن في تزامن هذا الوباء مع زيادة الوصفات الطبية للأدوية النفسية،!!! بين عامي 1985 و 2008، تضاعفت مبيعات الولايات المتحدة من مضادات الاكتئاب و مضادات الذهان تقريباً خمسين ضعف حتى 24.2 مليار دولار.
وكذلك قد تضاعفت وصفات علاج اضطرابات القلق والاضطرابات ثنائية القطب. حيث أن واحد من كل ثمانية أمريكيين يأخذ أدوية نفسية بما فيهم الأطفال وحتى الرضّع.!!!
يعترف ويتاكر أن مضادات الاكتئاب والأدوية النفسية الأخرى تؤمن ارتياح على المدى القصير، مما يفسر سبب ثقة الأطباء والمرضى الشديدة بفوائد هذه الأدوية، لكن مع الوقت، ويتاكر يضيف، أن الأدوية تزيد من سوء حالة المرضى مقارنة مع من لم يتناولها مطلقاً.
وقد قام ويتاكر بجمع الأدلة القولية والسريرية التي تثبت أن المرضى الذين توقفوا عن أخذ مثبطات امتصاص السيروتونين غالبأ ما واجهوا اكتئاباً أكثر حدة مما كانوا يعانون منه!!!
وتقرير منظمة الصحة العالمية في 1998 الذي يشمل عدة دول يظهر أن الاستخدام طويل الأمد لمضادات الاكتئاب يرتبط بارتفاع خطر الإصابة باكتئاب طويل الأمد عوضاً عن انخفاضه.
مثبطات امتصاص السيروتونين يمكن أن تسبب مجموعة واسعة من الآثار الجانبية، تشمل الأرق و العجز الجنسي واللامبالاة و الدوافع الانتحارية و الهوس الذي قد يؤدي للإصابة بالاضطراب ثنائي القطب.
و بكل تأكيد، توقع ويتاكر أن مضادات الاكتئاب – كما الريتالين وغيرها من المنشطات التي توصف لعلاج اضطرابات نقص الانتباه – قد سببت ارتفاعاً ملحوظاُ بالإصابة بالاضطراب ثنائي القطب.
فمنذ نصف قرن مضى تقريباً، سجلت معدلات الإصابة بالاضطرابات ثناية القطب ارتفاعاً بحوالي المئة ضعف، لواحد من بين كل 40 فرد بالغ.
التأثيرات الجانبية لليثيوم بكونه من اكثر أدوية الاضطراب ثنائي القطب شيوعاً تشمل ضعفاً في الذاكرة و في قابلية التعلم وفي أداء المهارات الطبيعية، وبشكل مشابه، البنزوديازبينات (benzodiazepines) كالفاليوم (Valium) و الزاناكس (Xanax) بصفتهم من أكثر أدوية اضطرابات القلق شيوعاً. تسبب الإدمان، ومتلازمة السحب الناجمة عن توقف تناول هذه الأدوية تسبب آثاراً تترواح بين الأرق و التشنجات وحتى نوبات الذعر.
تحليل ويتاكر لعلاجات انفصام الشخصية تحديداً يعتبر مثيراً للقلق. فمضادات الذهان كالثورازين (Thorazine) و ما خلفه كالزيبركسا (Zyprexa)، يسببون زيادة في الوزن، ارتعاشات جسدية(يدعى خلل الحركة المتأخر)، ووفقاً لبعض الدراسات تدهور في المعرفة وانكماش في خلايا الدماغ.
قبل تقديم الثورازين في خمسينات القرن الماضي، ويتاكر يؤكد أن اثنان من ثلاثة مرضى المرحلة الأولى من الانفصام تمت معالجتهم في المشافي وخرجوا منها خلال سنة، و معظمهم لم يحتاجوا لدخول المشفى مجدداً.
خلال النصف قرن الماضي، كان معدل العجز المتعلق بالفصام قد زاد بمقدار اربعة مرات، وصار انفصام الشخصية يعتبر من اكثر الأمراض المزمنة الناكسة.
وجدت دراسة قامت بها منظمة الصحة العالمية تشمل عقود من الزمن، أن مرضى الفصام أفضل حالاً في الدول الفقيرة كالهند و نيجريا حيث توصف مضادات الذهان بشكل قليل نوعاً ما مقارنة مع الدول الغنية كالولايات المتحدة و أوربا.
كما وجدت دراسة طويلة الأمد قام بها مارتن هارو (Martin Harrow) – مختص بالطب النفسي من جامعة إلينوي – علاقة عكسية بين أدوية الفصام و النتائج الإيجابية على المدى الطويل. بدايةً في السبعينات،
تعقب هارو مجموعة من 64 مصاب بانفصام الشخصية حديثاً؛ 40% من مَن لم يعطوا الدواء تعافوا – أي أصبح باستطاعتهم الاعتماد على أنفسهم – مقابل 5% من مَمن تم علاجهم دوائياً.
و أكد هارو أن أولئك الذين تلقوا علاجاُ دوائياً مكثفاً كانت حالتهم أسوء بكثير، لكن ويتاكر يقترح أن الأدوية لربما تزيد من حالة المرضى سوءاً.
والتحذير واضح في ذلك، فإن ويتاكر لا يدّعي أن الأدوية لا قيمة لها ولا يجب
استخدامها مطلقاُ، بل أنه اعترف أن العديد من الناس تستفيد من العقاقير النفسية، و
بشكل خاص على المدى القصير، لكنه يؤمن بأنها يجب تؤخذ باعتدال تام.