تاريخ اليهود
التسمية وسببها
إن هناك العديد من الأسماء التي تدل على هذه الفئة، فهناك العبرانيون والإسرائيليون واليهود والصهاينة . فما هي الأسباب التي دعت اليهود إلى تنويع المصطلح والاسم الذي يطلقونه على أنفسهم؟
إن لهذه المصطلحات مدلولاتها السياسية . فالعبرانيون هم الشعوب القديمة التي سكنت أرض العرب على اختلاف لهجاتها ولغاتها، وعلى تعدد معتقداتها وثقافاتها . ولقد اعتاد الناس منذ زمن طويل بتأثير الكتابات التوراتية والأدبيات اليهودية التي كانت تستخدم كلمتي عبرية ويهودية وكأنهما تدلان على معنى واحد، والواقع يخالف ذلك، فالعبرية استخدمت قبل موسى عليه السلام وفي نحو القرن العشرين قبل الميلاد كانت كلمة عامة تطلق على طائفة كبيرة من القبائل الرّحل في صحراء الشام . . . ولم يكن لليهود وجود حينها . ولما وجد اليهود وانتسبوا إلى إسرائيل كانوا أنفسهم يقولون عن العبرية إنها لغة كنعان .
ومجمل القول إن حاخامات اليهود وجدوا أن أحسن طريقة يمكن إتباعها لربط تاريخهم بأقدم العصور، ولجعل عصر اليهود متصلاً بأقدم الأزمنة هو استعمال
مصطلح عبري للدلالة على اليهود بوجه عام وبذلك يصبح تاريخ فلسطين تاريخاً واحداً متصلاً ومرتبطاً، منذ أقدم العصور بالشعب اليهودي 1.
أما الصهيونية فليست مصطلحاً دينياً، وإنما هي مصطلح سياسي يحمل فكرة يهودية تقوم على حق مزعوم بعودة إلى أرض فلسطين، التي يطلقون عليها اسم أرض الميعاد ولكن هذا المشروع السياسي لا يستند إلى معتقد ديني، لأن العودة إلى أرض الميعاد لا تكون وفق نصوص الكتاب المقدس على يد حركة سياسية، وإنما تتحقق بمسيح مخلص مبعوث من الخالق .
وكلمة صهيون كما في قاموس الكتاب المقدس معناها حصن، وهي رابية من الروابي التي تقوم عليها أورشليم . ورد ذكرها للمرة الأولى في العهد القديم كموقع لحصن يبوسي، فاحتل داود الحصن وسماه مدينة داود .
واليبوسيون تاريخياً قبيلة عربية وأبناء عم للكنعانيين، ثبت أنهم أقاموا امارتهم في القدس ومنها حصن صهيون بقيادة أميرهم سالم اليبوسي حوالى سنة 2500ق .م، وبذلك تكون القدس موطن اليبوسيين قبل إبراهيم عليه السلام بما يزيد عن 500 سنة وبحوالى 1000سنة قبل موسى عليه السلام .
ونصوص الكتاب المقدس تفيد بأن اليبوسيين هم سكان أورشليم القدس الأصليون "وسار داود وجميع إسرائيل إلى أورشليم التي هي يبوس حيث كان اليبوسيون سكان الأرض . . . ." 2
إن بني إسرائيل من الناحية القومية مرحلة متقدمة عن المرحلة الموسوية، واليهودية كديانة هم أمة موسى عليه السلام وكتابهم التوراة وهو أول كتاب نزل من السماء، أعني أنه ما كان ينزل على إبراهيم وغيره من الأنبياء، ما كان يسمى كتاباً، بل صحفاً 3، وهم دُعوا يهوداً من يهوذا أحد الأسباط الأثني عشر : يهوذا ـ
بنيامين ـ رأوبين ـ شمعون ـ زبلون ـ يساكر ـ نفتالي ـ لاوي ـ أشير ـ يوسف ـ جاد ـ دان .
وتغلب هذا الاسم واشتهروا به لأن سبط يهوذا كان مزمعاً أن يكون له السؤدد والمجد في إسرائيل، لأنه عندما دنا يعقوب من الموت خاطب ابنه بهذه الكلمات 4: "يهوذا إياك يحمد اخوتك . يدك على قفا أعدائك . يسجد لك بنو أبيك . . . لا يزول صولجان من يهوذا ومشترع من صلبه حتى يأتي شيلو وتطيعه الشعوب "5.
ويهوذا أطلقت في الأصل على مملكة الجنوب التي كان فيها يهوذا وبنيامين . غير أن كلمة يهودي توسع استخدامها من أبناء مملكة يهوذا الذين عادوا بعد سبيهم 605ق .م على يد نبوخذ نصر لتطلق على جميع اليهود أينما كانوا وحيثما حلوا أو وجد أحد منهم . فاليهودية بعد رسالة موسى? باتت عقيدة وشريعة، وهي ليست نسباً كإسرائيل . ولا هي صفة لهيئة معاش كالعبرية، ولا هي عنوان مشروع سياسي كالصهيونية .
المراحل التاريخية
نسرد في ما يلي المسيرة التاريخية لبني إسرائيل، ونستعرضها هنا ضمن مراحلها :
المرحلة الأولى : يعقوب عليه السلام
وهي عبارة عن سكن يعقوب عليه السلام وأبنائه في أرض فلسطين وما مر عليهم من سنيّ القحط بعد فعلة أخوة يوسف وإلقائه في الجب وبيعه ووصوله إلى مصر، عندها لجأ كل الناس إلى خزائن الملك . وعاد واجتمع شملهم بيوسف، وكانت هي
المرحلة الثانية لانطلاق بني إسرائيل من خلال مصر وهناك تكاثروا وأصبح لهم تواجد كبير، وأصبحوا يشكلون خطراً على الأسرة الحاكمة آنذاك وهم الأقباط والفراعنة، وبدأ الصراع بينهم وبين الأقباط .
المرحلة الثانية : موسى عليه السلام
في عصر موسى عليه السلام بلغ ظلم الأقباط لبني إسرائيل أوجه، فبدؤوا التنكيل بهم والقتل والتشريد والاستعباد . وكان بنو إسرائيل يتناقلون في ما بينهم بأن نبياً منهم سيولد وينقذهم من ظلم الفراعنة . . . وولد موسى عليه السلام وكان خروجهم من مصر على يده .
ولهذا يذكر بعض المؤرخين أن تاريخ اليهود يبدأ فعلياً بعد خروجهم من مصر مع النبي موسى عليه السلام ، ولكنهم لم يوافقوه على أوامره ونواهيه، وما فيه هداهم، حيث خاصموه وأخاه هارون وطلبوا العودة إلى أرض مصر والتحول إلى عبادة الأوثان بدلاً من عبادة اللَّه، ونتيجة لذلك تاهوا في الصحراء مدة أربعين سنة، ونزلت بهم الأمراض والضربات حتى مات الجيل الذي خرج من مصر كله إلا رجلين، وأعلنوا التوبة إلى اللَّه بعد ذلك، وبينما هم في طريقهم إلى أرض فلسطين مات موسى عليه السلام وتولى أمرهم وصيه يوشع بن نون الذي دخل بهم إلى الأرض المقدسة .
المرحلة الثالثة : يوشع بن نون
يعتبر دخول يشوع يوشع بلاد فلسطين بداية عهد اليهود بهذه الأرض وارتباطهم بها نظرياً، فإنهم في زمن إبراهيم عليه السلام لم يكونوا أمة بعد، بل كان إبراهيم نفسه يعيش حالة التنقل والتغرب في تلك البلاد، وكذلك الحال في إسحاق ويعقوب .
ولم تستطع التوراة أن تقدم لنا صورة واضحة وصريحة حول دخولهم أرض فلسطين، فبينما يصوره سفر يشوع على أنه دخول عسكري وقهر للأمم التي كانت
ساكنة في تلك الأرض واستعباد لها، وتنتهي الحرب بتملك الإسرائيليين الأرض يقول :" فأخذ يشوع كل الأرض حسب ما كلم به الرب موسى وأعطاها يشوع ملكاً لإسرائيل حسب فرقهم وأسباطهم واستراحت الأرض من الحرب" 6.
ولكن سفر القضاة مغاير لما ورد في سفر يشوع عن قضية الدخول هذه . فلا دخل الأرض بالحرب، ولا هم كانوا يسلكون طريق الاستقامة، فكان جزاؤهم العذاب والتشريد مرة أخرى إلى ما بعد موت يشوع .بل إن سكان الأرض هم الذين نهبوهم وشردوهم، لأنهم تعدوا حدود اللَّه ونقضوا عهوده ولم يسمعوا لصوته، فحمي غضبه عليهم حتى ضاق بهم الأمر ولم يكونوا يرتدعون بقول نبي أتاهم، فبدأ يتسلط عليهم الملوك الظالمون يذلونهم .وظهر عليهم العمالقة وعلى رأسهم ملكهم جالوت وهو من القبط فتسلطوا عليهم وفرضوا عليهم جزية .
المرحلة الرابعة : داود وسليمان :
لم يجمع اليهود كيان واحد بعد موت يشوع بل كان يتولى أمورهم قضاة يفصلون بينهم في المنازعات والمخاصمات .
وكثيراً ما كان اليهود يرتدّون إلى عبادة الأصنام، والتجرؤ على حرمات التوراة، فكان ذلك سبباً في تسلط الآخرين عليهم كما ذكرت التوراة .
وهذا ما يدل على أنهم كانوا لا يزالون يعيشون حياة قبلية من دون تأسيس دولة خاصة بهم، وأنهم كانوا يسكنون في فلسطين في ظل الأمم الأخرى وبرعايتها وتحت سلطانها، فإن تمردوا عليها أو خانوا عهودها انتفضت في وجههم وأذلتهم من جديد حتى عصر تأسيس المملكة على يد داود عليه السلام ومن بعده سليمان عليه السلام فكان عمر المملكة كلها عبارة عن ثمانين سنة وهي فترة حكم داود وسليمان والتي قسمت إلى دويلتين إحداهما في الجنوب وعاصمتها أورشليم وهي مملكة يهوذا والثانية في الشمال وعاصمتها السامرة .
وقد تعرضتا لحروب داخلية في ما بينهما طيلة فترة وجودهما، كما تعرضتا لغزو خارجي من قبل المصريين تارة، والآراميين في دمشق تارة أخرى، والآشوريين وغيرهم ثالثة، حتى انتهى وجودهم من التاريخ وتم سبيهم إلى بابل في نهاية الأمر على يد الأشوريين . وبعدها احتل ملك الفرس قورش فلسطين وعندها بدأت رحلة العودة لليهود إلى فلسطين، غير أن قسماً كبيراً منهم آثروا البقاء في بابل وبعضهم بقي في مصر . وأما من عاد إلى فلسطين ظل تحت هيمنة الفرس وحكمهم، ولم يكن لهم أي دور في إدارة البلاد، واستمر حكم الفرس إلى عام 320 قبل الميلاد حيث غزا الاسكندر البلاد بما فيها فلسطين واحتلها وتوالت الغزوات إلى أن جاء الرومان بقيادة هيرودس وغزا فلسطين وملك على بني إسرائيل وبنى لليهود الهيكل، ولكن سنة 70 ميلادية دمر تيطس ملك الرومان أورشليم رداً على ثورة اليهود عليه ودمر الهيكل، وبعد ذلك بدأت المسيحية تنتشر في هذه البلاد . وفي سنة 636 في عهد الخليفة الثاني حرر المسلمون فلسطين وأرجعوها إلى أحضان العرب، ثم استولى الصليبيون عليها وردها المسلمون، وفي عهد الانتداب رجع اليهود إلى فلسطين وشردوا أهلها وقتلوا أبناءها، وارتكبوا أبشع الجرائم على مر التاريخ .
ولم ينعم اليهود ببعض الحرية إلا في ظل الدولة الإسلامية، غير أنهم لم يحفظوا هذا الجميل للمسلمين الذين سمحوا لهم بالعيش في بلادهم هرباً من اضطهاد الأوروبيين لهم، فكان الرد ما هو الآن قائم في احتلال فلسطين وتشريد أهلها وتقتيلهم، وصار لهم دولة قوية مؤيدة من قبل الدول الكبرى في العالم، حيث تقاطعت المصالح الاستعمارية في ما بينها على غرز هذا الخنجر في قلب العالم الإسلامي ليبقى ينزف إلى أن يأتي الوعد الإلهي بالنصر .
الهوامش
1- راجع الموسوعة الفلسطينية ، ج1،ص 186.
2- سفر أخبار الأيام الأول ، الإصحاح 4-11.
3- الشهرستاني : الملل والنحل ، ج1 ،ص210.
4- اليهود في التاريخ إلى عهد المسيح : القس بولس عبود ، ص5.
5- سفر التكوين ، الاصحاح 49 فقراة8 و 10.
6- سفر يشوع :11-23.