قبل أن تكون هناك شجرة كانت هناك بذرة.. تتفاعل مع ما حولها لتنمو فتصبح شجـرة.. ولو لم يكن هناك بذرة فلن تكون هناك شجرة!!
فكل عمل عظيم يبدأ بفكرة تتفاعل مع البيئة المحيطة وتمر بكل الظروف فتتطور من مجرد فكرة إلى عمل ومن مجرد عمل عادي إلى عمل عظيـم، فكثير من الأعمال العظيمة في التاريخ كانت البداية فيها فكرة وبعد التطبيق والتفاعل تصير انجازاً، وفي بعض الأحيان يتحول هذا الإنجاز إلى رمز.
تتلون الأعمال وتتنوع إلى أشكال عِدة سواء كانت أعمال فنية أو أدبية أو دينية أو حتى أعمال “معمارية”. سوف نأخذ جانب واحد من تلك الأعمال ونعمل على إظهار تاريخها ومراحل تطورها وقيمتهـا ورمزيتها، وسنسلط الضوء على العديد من الأعمال المعمارية التى خُلدت في ذاكرة البشرية وتحولت من مجرد فكرة عابرة إلى عمل عظيم، حتى وصل إلى طوره النهائي وأصبح رمزاً يحتزى به.
سآخذكم إلى رحلة حول العالم لنستكشف سوياً تلك الأعمال العبقرية، فهيا بنا لنبدأ رحلتنا من القارة العجوز أوروبا وبالتحديد من مدينة الضباب في إنجلترا
فعندما يذكر اسم انجلترا أو لندن يأتي في الذهن مشهد ساعة بِج بِن، هذا العمل العبقري الذي خلده التاريخ واعتبره رمزاً للتوقيت وللمملكة التى لا تغيب عنها الشمس!
تبدأ قصة هذه التحفة القديمة منذ حوالي قرنين من الزمان، حيث حدث حريق هائل في لندن يوم 16 اكتوبر 1834 وكان مصدره قصر وستمنستر (westminster)
فأدى ذلك الحريق إلى تدمير العديد من أجزاء القصر ومبنى البرلمان والكثير من المنازل والمباني المحيطة، وبناءاً على ذلك تم الاتفاق على عملية تجديد وبناء للأماكن المتضررة والمنهارة
وعهُـد المشروع إلى عضو في البرلمان ووزير الأشغال في ذلك الوقت ويدعى (بنجامين هول ) وتم تكليفه بالإشراف على التخطيط والتنفيذ، وبالنظر إلى شخصية هذا الرجل آنذاك فكان معروفاً بإبداعه وفكره الرائع، فخطرت له فكرة إنشاء برج يضم أكبر ساعة في العالم يفخر بها البريطانيون جميعاً (نظراً لتقديس الوقت لدى البريطانيين)، فقام بتكليف المعماري “السير تشارلز باري” بتخطيط مبنى جديد للبرلمان وترميم وتجديد القصر المتضرر وتصميم برج يحمل في أعلاه ساعة ليس لها مثيل (وهذا الجزء لم يكن موجوداً في التصميم القديم )
ثم عرض فكرته على عموم الناس في بريطانيا فقوبلت تلك الفكرة بالترحيب الشديد والموافقة شريطة أن تكون استثنائية في كل شيء.. فوعدهم بذلك ..
وتم البدء فى بناء البرج (برج القديس استيفان) عام 1856 حتى الانتهاء عام 1859، أما عن الساعة نفسها فقد قام بتصميمها إدموند بكيت، وصنعها إدوارد دنت ومن بعد وفاته فردريك دنت
ودقت الساعة أول دقاتها يوم 31 مايو 1859 لتكتب تاريخاً جديداً لأشهر جهاز لقياس الزمن في العالم وأكثر الساعات دقهً على مستوى العالم!
أما عن سر التسمية بساعة (بج بن) فيرجع إلى عِدة روايات أقربها للصحة أنه قام البرلمان باستفتاء يتم فيه تسمية الساعة بصاحب فكرة إنشاء البرج والساعة، وهو بنجامين هول الذي كان مشهوراً باسم “بج بن” نظراً لقوة وطول جسمه فكانوا يطلقون عليه بج بن أي بن الكبير، وتمت الموافقة على هذا الاقتراح ومنذ ذلك الحين وهو بهذا الاسم (بج بن ) …
وبسبب استثنائيتها وتميزها فإننا نرى أن بعض البلدان حول العالم قد حاولت أن تحاكي وتسير على نفس الخطى بإنشاء ساعة على نفس النمط، فنرى هناك ساعة في شركة مصر للغزل والنسيج في مدينه المحلة الكبرى في حبيبتنا مصر تسمى (ساعة شركة مصر) وتعتبر ثاني أعلى ساعة وقتية في العالم بعد ساعه بج بن، وأيضـاً هناك ساعة تسمى (بج بن عدن) في مدينة عدن ببلدنا الشقيق اليمن (نسأل الله تعالى أن يحفظها من كل سوء اللهم آميـن)، وأيضاً ساعة أخرى بنفس الاسم ( بج بن ) ونفس النمط في الأرجنتين
ومؤخراً رأينا مشروع بناء أكبر ساعة في العالم في مكة المكرمة بجوار الحرم المكي الشريف (لتنافس ساعة بج بن) وهي أيضاً تسير على نفس الخطى وعلى نفس النمط
وبمرور الأيام تظل تلك التحفة القيمة أفضل جهاز لقياس الزمن في التاريخ وأيقونة الوقت في العالم ورمزاً صريحاً للتوقيت في هذا الزمان
معلومات إضافية:
- يزن جرس الساعه حوالي ثلاثة عشر طناً.
- يبلغ طول عقربيها 9 و14 قدماً.
- برج الساعة طوله 320 قدماً.
- من الممكن أن تتعرض الساعه لعطل مفاجئ مرة كل حوالي سبع سنوات ويقوم فريق العمل على متابعتها باستمرار.
- توجد الساعة في برج القديس استيفان في الجزء الشمالي من مبنى البرلمان.