الثقافة كلمة عريقة في اللغة العربية أصلا، فهي تعني صقل النفس والمنطق والفطانة، وفي القاموس المحيط: ثقف ثقفا وثقافة، صار حاذقا خفيفا فطنا، وثقفه تثقيفا سواه، وهي تعني تثقيف الرمح، أي تسويته وتقويمه. واستعملت الثقافة في العصر الحديث للدلالة على الرقي الفكري والأدبي والاجتماعي للأفراد والجماعات. والثقافة ليست مجموعة من الأفكار فحسب، ولكنها نظرية في السلوك بما يرسم طريق الحياة إجما لا، وبما يتمثل فيه الطابع العام الذي ينطبع عليه شعب من الشعوب، وهي الوجوه المميزة لمقومات الأمة التي تميز بها عن غيرها من الجماعات بما تقوم به من العقائد والقيم واللغة والمبادئ، والسلوك والمقدسات والقوانين والتجارب. وفي الجملة فإن الثقافة هي الكل المركب الذي يتضمن المعارف والعقائد والفنون والأخلاق والقوانين والعادات.
فإنه يمكن استخدام كلمة "ثقافة" في التعبير عن أحد المعانى الثلاثة الأساسية التالية:
التذوق المتميز للفنون الجميلة والعلوم الإنسانية، وهو ما يعرف أيضا بالثقافة عالية المستوى.
نمط متكامل من المعرفة البشرية، والاعتقاد، والسلوك الذي يعتمد على القدرة على التفكير الرمزي والتعلم الاجتماعي.
مجموعة من الاتجاهات المشتركة، والقيم، والأهداف، والممارسات التي تميز مؤسسة أو منظمة أو جماعة ما.
عندما ظهر هذا المفهوم لأول مرة في أوروبا في القرنى الثامن عشر والتاسع عشر، كان يشير فيما يشير إليه إلى عملية الاستصلاح أو تحسين المستوى، كما هو الحال في عملية الزراعة أوالبستنة.أما في القرن التاسع عشر، أصبح يشير بصورة واضحة إلى تحسين أو
المهارات الفردية للإنسان، لا سيما من خلال التعليم والتربية، ومن ثم إلى تحقيق قدر من التنمية العقلية والروحية للإنسان والتوصل إلى رخاء قومى وقيم عليا. إلى أن جاء منتصف القرن التاسع عشر، وقام بعض العلماء باستخدام مصطلح "الثقافة" للإشارة إلى قدرة الإنسان البشرية على مستوى العالم.
وبحلول القرن العشرين، برز مصطلح "الثقافة" للعيان ليصبح مفهوما أساسيا في علم الانثروبولوجيا، ليشمل بذلك كل الظواهر البشرية التي لا تعد كنتائج لعلم الوراثة البشرية بصفة أساسية. وعلى وجه التحديد، فإن مصطلح "الثقافة" قد يشمل تفسيرين في الأنثروبولوجيا الأمريكية؛ *التفسير الأول: نبوغ القدرة الإنسانية لحد يجعلها تصنف وتبين الخبرات والتجارب بطريقة رمزية، ومن ثم التصرف على هذا الأساس بطريقة إبداعية وخلاقة.
التفسير الثاني: فيشير إلى الطرق المتباينة للعديد من الناس الذين يعيشون في أرجاء مختلفة من العالم والتي توضح وتصنف بدورها خبراتهم، والتي تؤثر بشكل كبير على تميز تصرفاتهم بالإبداع الوقت ذاته. وفى أعقاب الحرب العالمية الثانية، صار لهذا المفهوم قدر من الأهمية ولكن بمعانى مختلفة بعض الشئ في بعض التخصصات الأخرى مثل علم الاجتماع، والأبحاث الثقافية، وعلم النفس التنظيمي، وأخيرا الأبحاث المتعلقة بعلم الإدارة.
مجالات ارتقاءالمثل الإنسانية
في غضون القرن التاسع عشر، كان لأنصار الحركة الإنسانية الكلاسيكية ومنهم الشاعر والكاتب الإنجليزى ماثيو آرنولد (1822-1888) Matthew Arnold مفهوما آخر لكلمة "الثقافة" حيث استخدموا هذا المصطلح للإشارة إلى الصورة المثلى في دماثة الخلق، أو بصورة أخرى الوصول إلى "أفضل ما توصل إليه البشر من طرق للتفكير قيلت أو اعتقد فيها في ذلك الوقت ".[1] ويعتبر مفهوم "الثقافة" قريب الشبه من مفهوم "بيلدونج" "bildung" باللغة الألمانية والذي يعنى أن:".. الثقافة تهدف بدورها إلى تحقيق غاية الكمال عن طريق التعرف على أفضل ما تم الوصول إليه فكرا وقولا في كل ما يهمنا بصورة أساسية على مستوى العالم كله في ذلك الوقت[1].
وبصورة عملية، فإن مفهوم الثقافة يشير إلى كل ما هو مثالي أو يجتمع علية القوم أو الصفوة وكل ما هو وثيق الصلة بمثل هذه الأمور مثل فن الرسم والنحت، الموسيقى الكلاسيكية، فن الطبخ المتميز والأزياء الراقية، والخلق الكريم[1]، أن التعريفات المعاصرة للثقافة تندرج تحت ثلاثة تصنيفات أو مزيج من الثلاثة التالية:
"عملية تنمية للنواحى الفكرية والروحية والجمالية "
"طريقة معيشية معينة في حياة شعب من الشعوب، أو مميزة لفترة من الفترات أو مجموعة من المجموعات".
" جميع الأعمال والممارسات الخاصة بالنشاط الفكري والفني بصفة خاصة". </ المرجع>
كما ارتبطت هذه الممارسات بأنماط الحياة البدوية، فإن كلمة "ثقافة" اتسمت بكل ما تعنيه كلمة "حضارة" (مشتقة من الكلمة اللاتينية سيفيتاس civitas، بمعنى مدينة)ويعد الاهتمام بالفلكلور الشعبي هو من أهم ما يميز الحركة الرومانسية. وهو ما أدى بدوره إلى تعريف كلمة "ثقافة" بين العامة من غير النخب. وهذا التمييز يشبه ذلك التمييز الموجود بين علية القوم من الطبقة الاجتماعية الحاكمة وعامة الناس. وبعبارة أخرى، فإن فكرة "الثقافة" التي نشأت في أوروبا إبان القرنين الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر عكست بدورها حالة من عدم المساواة داخل المجتمعات الأوروبية.
يرى ماثيو آرنولد Matthew Arnold تناقضا بين كلا من مفهومى "الثقافة" و"الفوضى السياسية"؛ مقلدا في ذلك عدد من الفلاسفة الآخرين مثل توماس هوبس Thomas Hobbes وجان جاك روسوو Jean-Jacques Rousseau الذين رؤوا تناقضا بين مفهوم "الثقافة" و"حالة الإنسان الطبيعية"وبالنسبة إلى هوبز وروسوو فيرى كلا منهما أن سكان أمريكا الأصليين من الهنود الحمر والذين تعرضوا للغزو من قبل الأوروبيين بداية من القرن السادس عشر كانوا يعيشون بدافع الغريزة أو الفطرة، وقد تم التعبير عن هذا من خلال التناقض بين "المتمدنين " و"غير المتمدنين".ووفقا لهذه الطريقة في التفكير، فيمكن للمرء أن يصنف بعض الدول والشعوب على أنها أكثر تحضرا من غيرها، وأن يصنف بعض الناس على أنهم أكثر ثقافة من غيرهم. ومن ثم أدى هذا التناقض إلى توصل كلا من هربرت سبنسر Herbert Spencer إلى نظريته الداروينية الاجتماعية Social Darwinism، ولويس هنرى مورغان Lewis Henry Morgan إلى نظريته التطور الثقافى.وعلى هذا النحو، فقد أشار بعض النقاد إلى أن التمييز بين الثقافات المتحضرة والمتخلفة يعزى في واقع الأمر إلى وجود حالة من الصراع بين الصفوة من الأوروبيين وغيرهم ممن هم ينتمون إلى طبقة اجتماعية أدنى، هذا وأرجع بعض النقاد الفجوة بين الشعوب المتحضرة وغيرهم من الشعوب الغير متحضرة إلى الصراع القائم بين كلا من الإمبراطورية البريطانية من جهة وبين رعاياها من جهة أخرى.
يعتبر عالم الإنثربولوجيا البريطاني ادوارد تايلور Edward Tylor واحدا من أول العلماء الناطقين بالإنجليزية ممن استخدموا مصطلح الثقافة بالمعنى الواسع والعالمى
هذا وقد وافق بعض من نقاد القرن التاسع عشر، ممن اعقبوا روسو، على هذا الاختلاف بين ثقافة ما عرف بالأعلى والأدنى، ولكنهم في الوقت ذاته أقروا بأن محاولة ال
والتكلف في صياغة قالب من الثقافة عالية المستوى على أنه افساد بل ومحاولة
في غير موضعه والذي من شأنه جلب المفسدة والتشوه لفطرة الله التي فطر الناس عليها.ويعتبر هؤلاء النقاد أن الموسيقى الشعبية أو ما يعرف بالفلكلور (والتي تنتجها أفراد الطبقة العاملة) تعبيرا صادقا عن شكل من أشكال الحياة الطبيعية، في حين تبدو الموسيقى الكلاسيكية سطحية ومنحلة. وبنفس القدر، تصور وجهة النظر هذه الشعوب الأهلية على أنها "نبلاء بدائيون" حيث يعيشون حياة فطرية غير معقدة لا تشوبها شائبة، ولم تعبث بها أيدى أنظمة الغرب الفاسدة الطبقية الرأسمالية.
وفي عام 1870، قام إدوارد تايلور Edward Tylor (1832-1917) بتطبيق أفكار الثقافة الأعلى في مقابل الثقافة الأدنى في محاولة من شأنها اقتراح نظرية التطور الدينى. طبقا لهذه النظرية، يتطور الدين لدى الفرد من شكل الشرك المتعدد إلى شكل التوحيد المطلق.[2] أعاد تايلور في هذه العملية تعريف الثقافة بأنها مجموعة متنوعة من الأنشطة المميزة لجميع المجتمعات البشرية. وبذلك مهدت وجهة النظر هذه الطريق لفهم الثقافة الحديثة.
حركة الرومانسية الألمانية
وضع الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط Immanuel Kant(1724-1804) تعريفا فرديا لمفهوم "التنوير" وهو مفهوم مماثل لمفهوم بيلدانج bildung السابق ذكره.: فكلمة التنوير تعنى " خروج الإنسان من حالة عدم النضج والتي تكبده كثيرا من[3] العناء." وأشار كانط بأن هذا النضج لا يتأتي من حالة عدم الفهم، ولكن يتأتى من حالة نقص في الشجاعة على التفكير بشكل مستقل.، كما نادى كانط بما أسماه سابير أوود Sapere aude في محاولة منه لدفع هذه الحالة من الجبن العقلى بقوله " كن شجاعا لتكن حكيما". هذا وأشار بعض المعلمين الألمان - كرد فعل لما ذكره كانط - مثل جوهان جوتفرايد هيردر Johann Gottfried Herder، (1744-1803) بأن الإبداع البشري، والذي لا يمكن التنبؤ به ويمكن بطبيعة الحال أن يأخذ أشكالا متنوعة للغاية، لا يقل أهمية عن عقلانية الإنسان بأى حال من الأحوال. وعلاوة على ذلك، عرض هيردر Herder صيغة مقترحة من البيلدانج: فهذا المفهوم بالنسبة إليه يعد بمثابة مجموع الخبرات والتي توفر للفرد الهوية المتماسكة، والشعور بالمصير المشترك."[4]
أما في عام 1795، دعى العالم اللغوي والفيلسوف الكبير ويلهلم فون هومبولدت Wilhelm von Humboldt(1767-1835) لفكر من الانثروبولوجيا والتي من شأنها تجميع اهتمامات كلا من كانط وهيردر معا. فإبان العصر الرومانسى، وضع العلماء الألمان، وبخاصة هؤلاء الذين يهتمون بالحركات القومية - مثل النضال القومي لتوحيد "ألمانيا" من كونها مجموعة إمارات مختلفة، والصراعات العرقية للأقليات الوثنية ضد الامبراطورية النمساوية الهنغارية - مفهوما أكثر شمولا للثقافة بوصفها وجهة نظر عالمية.ووفقا لهذه المدرسة الفكرية، كان لكل جماعة عرقية نظرة عالمية متميزة تتعارض مع وجهات النظر العالمية لدى المجموعات الأخرى. وعلى الرغم من شمولية وجهة النظر هذه بالمقارنة بما كان معروفا في الفترات السابقة، إلا أن هذا الاتجاه لا يزال يسمح لثقافة التمييز بين كل من "المتحضر" و"البدائي" أو ما يعرف باسم "الثقافات "القبلية".
وفي عام 1860 نادى أدولف باستيان Adolf Bastian (1826-1905) بفكرة "الوحدة النفسية للبشرية". فقد اقترح بأن المقارنة العلمية لكافة المجتمعات البشرية من شأنها أن تكشف الستار عن أن وجهات النظر العالمية المتميزة تتكون من العناصر الأساسية نفسها. ووفقا لما يراه باستيان، تتشارك كل المجتمعات البشرية في مجموعة من "الأفكار الأساسية" (Elementargedanken)؛ والثقافات المختلفة، أو "الثقافات الشعبية" المختلفة Volkergedanken)، وهي بمثابة
ات عامة للأفكار الأساسية.[5] ومهدت وجهة النظر تلك الطريق إلى مزيد من الفهم العصرى لمفهوم كلمة ثقافة. ونشأ فرانس بواس Franz Boas (1858-1942) على نفس وجهة النظر تلك، ليس هذا فحسب وإنما أحضرها معه عندما غادر ألمانيا في اتجاهه إلى الولايات المتحدة.
آراء القرن العشرين حول مفهموم كلمة ثقافة
الإنثربولوجية الأمريكية
على الرغم من أن علماء الأنثروائل وبولوجيا في جميع أنحاء العالم يوافقون على تعريف تايلورTylor للثقافة، إلا أنه في القرن العشرين برز مفهوم كلمة "ثقافة" بوصفه مفهوم مركزى وموحد في الأنثروبولوجيا الأمريكية، حيث أنها تشير إلى القدرة الإنسانية بصورة رمزية وبشكل كبير والتي بدورها تعبر عن الخبرات الفردية بشكل رمزى، وفى الوقت ذاته تقوم بربط تلك الخبرات الرمزية بشكل اجتماعى.فيمكن تقسيم الأنثروبولوجيا الأميركية إلى أربعة حقول، كل منها يشارك بدور هام في البحث عن الثقافة: وهم الأنثروبولوجيا البيولوجية، واللغويات، والأنثروبولوجيا الثقافية وعلم الآثار.و قد أثر البحث في هذه المجالات على علماء الأنثروبولوجيا الذين يعملون في بلدان أخرى بدرجات مختلفة.
الأنثروبولوجيا البيولوجية:وأثرها قي تطور الثقافة
العلاقات التصنيفية بين 4 الأنواع على قيد الحياة من الكلايد الهومينويدى clade Hominoidea:الهيلوباتيدى Hylobatidae، الجوريلنى Gorillini الهوم Homo، البان والبونجو Pan and Pongo.
يدور بحث بشأن الثقافة بين مركزين لعلماء الانثروبولوجيا البيولوجية حول اثنين من المناقشات. الأولى، هي ثقافة الإنسان الفريدة من نوعها أو بالمشاركة مع الأجناس الأخرى (كما هو جلى، الحيوانات الرئيسية الأخرى)؟هذا هو السؤال المهم، حيث تقوم نظرية التطور على أن البشر ينحدرون من سلالة (انقرضت الآن) البدائيات غير البشرية. ثانيا، كيف تطور مفهوم الثقافة بين بني البشر؟
ثقافة غير البشر
لاحظ جيرالد ويس Gerald Weiss أنه على الرغم من تعريف تايلور التقليدى لكلمة ثقافة يقتصر على البشر بعينهم، فإن العديد من علماء الأنثربولوجيا قد اتخذوا من هذا أمرا مفروغا منه، وبالتالي عملوا على حذف هذا الشرط الهام من المفاهيم اللاحقة، ، مجرد ثقافة المساواة مع أي سلوك مكتسب. يعد هذا الزلل مشكلة لأنه خلال السنوات التكوينية لعلم الحيوانات الراقية المعاصر، قد تلقى بعض علماء الحيوانات الراقية تدريبا في علم الأنثروبولوجيا (وبالطبع هم على دراية بأن مفهوم كلمة ثقافة يشير إلى تعلم السلوك بين البشر)، وبعضها الآخر ليس كذلك. وقد لاحظ بعض العلماء من غير الأنثربولوجيين، مثل روبرت يركس Robert Yerkes وجين غودال Jane Goodall أنه طالما أن حيوان الشمبانزي قد تعلم بعض السلوكيات، فبالتالى فلديهم قدر من ثقافة.[6][7] فحتى يومنا هذا، ينقسم علماء الحيوانات الراقية والذين لديهم خلفية عن الأنثربولوجيا إلى فريقين، بعض منهم ينادى بأن لدى الحيوانات الراقية ثقافة، والبعض الآخر ينادى بعدم وجود ذلك[8][9][10][11]
لقد زادت الأمور تعقيدا بشأن هذا البحث العلمي بسبب النواحى الأخلاقية. تعد فصائل علم الحيوانات الراقية حيوانات غير آدمية، ومهما كانت ثقافة مثل هذه البدائيات فإنها مهددة من قبل النشاط البشري. وبعد استعراض الأبحاث حول ما اكتسبته الحيوانات الراقية من ثقافة، توصل ماكجرو W.C. McGrew إلى أن، "[أ] يحتاج التعلم إلى أجيال متفاهمة مع بعضها البعض لكى تتم عملية التعلم، ومعظم الأنواع من غير البشر والقرود مهددة بالانقراض من أبناء عمومتهم من بنى البشر. في نهاية المطاف، بغض النظر عن الجدارة، يجب أن ترتبط ثقافة الحيوانات الراقية بفكرة بقاء النوع [أي لبقاء الثقافات المتعلقة بهم].[12]
يرى ماكجرو مفهوما لكلمة ثقافة مبنيا على فكرة وجود الاستفادة العلمية من دراسة ثقافة الحيوانات الراقية.ويشير إلى أن العلماء لا يمكنهم الوصول إلى أية أفكار موضوعية أو معارف من تلك الحيوانات. وبالتالي، إذا تم تعريف الثقافة من حيث وجود المعرفة، فإن محاولات العلماء لدراسة ثقافة تلك الحيوانات سوف تنحصر قي نطاق ضيق للغاية. وبناء عليه، بدلا من تعريف الثقافة قي ضوء المعرفة، يرى ماكجرو بأنه يمكننا النظر إلى الثقافة باعتبارها منظومة. وقد أوضح ستة خطوات لتلك المنظومة:
لابد من وجود اكتساب سلوك من نوع جديد، أو على الأقل
لسلوك كان موجودا مسبقا.
لابد لهذا الكائن الذي اكتسب سلوكا جديدا أن ينقله إلى غيره من بنى جنسه.
يتسم السلوك الجديد بالترابط قي حد ذاته وفيما بين الكائنات المكتسبة له بعضهم البعض، قي ضوء الخصائص السلوكية المتعارف عليها.
يجب أن يتسم السلوك المكتسب بالاستمرار لكى يقوم بممارسة أثره أطول فترة ممكنة بعد فترة الاستجابة.
يجب أن ينتشر هذا السلوك قي شكل وحدات اجتماعية.قد تكون هذه الوحدات الاجتماعية على شكل عائلات، عشائر، قبائل، أو أقارب.
وأخيرا، يجب أن يستمر هذا السلوك عبر عدة أجيال[12]
يعترف ماكجرو بأن الستة عوامل قد تكون دقيقة إلى حد ما، وذلك نظرا لصعوبة مراقبة سلوك الحيوانات الراقية في البرية. لكنه يصر أيضا على ضرورة أن يتصف بالشمولية قدر الإمكان، وذلك لما يراه من ضرورة وضع تعريف لكلمة ثقافة "تخيم بظلالها على أوسع نطاق ":
وتعتبر كلمة ثقافة سلوك يتم تجميعه من خلال مجموعة عوامل دقيقة، على الأقل مثلا، من التأثيرات الاجتماعية.هنا، تعتبر هذه المجموعة كيانا مستقل، سواء أكانت، فصيلة، ذرية، مجموعة فرعية أو غير ذلك. ولعل دليل بريما فاشيا Prima facia على وجود ثقافة لدى الكائنات يأتى من خلال دراسة سلوك فصيلة واحدة بعينها، ولكن من خلال عدة عوامل تتميز بالتباين في السلوك فيما بينها، كما أنه يوجد لدى مجموعة من الشمبانزى خصائص معينة قد تكون غير موجودة عند غيرهم قي مجموعة أخرى، أو قد تؤدى أفراد طوائف مختلفة أشكالا مختلفة من نفس السلوك. كما أنه قد يقوى احتمال وجود ثقافة ما قي الحركات التي يؤديها الحيوان عندما لا يمكن تفسير هذا التباين بين الطوائف المختلفة من خلال العوامل البيئية فحسب[13]
كما أشار إلى ذلك تشارلز فريدريك فوجلين Charles Frederick Voegelin، أنه إذا اقتصرت كلمة "ثقافة" على "السلوك المكتسب " وفقط، عندها إذا يمكننا القول بأن لدى جميع الحيوانات قدر من الثقافة.[14] ولعل جميع المتخصصين يجمعون على أن جميع أنواع الطوائف الراقية تشترك في بعض المهارات المعرفية مثل: القدرة على تحديد عمرالأشياء، القدرة على معرفة الأماكن، والقدرة على تصنيف الأشياء، وإيجاد الحلول للمشكلات بطريقة مبتكرة.[15] وعلاوة على ذلك، يرى العلماء بأن جميع طوائف الحيوانات الراقية تشترك في بعض المهارات الاجتماعية: فمثلا لديهم القدرة على تحديد أعداد أفراد الجماعة الاجتماعية التي ينتمون إليها؛ كما أن لديهم القدرة على تكوين علاقات مباشرة قائمة على أساس وجود درجة من القرابة والرتبة؛ كما أنهم يعترفون بدرجة قرابة الطرف الثالث، بل ولديهم القدرة على التنبؤ بالسلوك في المستقبل، وأخيرا تتعاون فيما بينها لإيجاد وسائل لحل المشكلات.[15]
ظلال على الهيكل العظمي للوسي، أسترالوبيثكس أفرانسيس Lucy، an Australopithecus afarensis
حاليا واحد نظرا للتوزيع الزمني والجغرافي للسكان الأدمية
ومع ذلك، فإن مصطلح "الثقافة" ينطبق على الكائنات غير البشرية إلا إذا قصدنا أية ثقافة كانت أو أى سلوك مكتسب كان.وفي ظل الأنثروبولوجيا المادية السائدة، يميل العلماء إلى الاعتقاد بضرورة وجود تعريف أكثر تحديدا.يهتم هؤلاء الباحثين بعلة ارتقاء البشر ليكونوا مختلفى الطباع عن بقية الفصائل الأخرى. وهناك تعريف أكثر دقة لمفهوم الثقافة، والذي يستثني السلوك الاجتماعى للحيوانات من غير البشر، والذي من شأنه أن يسمح لعلماء الأنثروبولوجيا الفيزيائية بدراسة كيفية تطور قدرة البشر الفريدة على اكتساب مفهوم "الثقافة".
وتعتبر فصيلة الشمبانزي (سكان الكهوف والبانيسكس)Pan troglodytes and Pan paniscus بشرا أى (قريبى الشبه بالإنسان العاقل) وهما الأقارب الأكثر شبها ببعضهما بمعنى، أن كلاهما ينحدر من سلف مشترك والذي عاش قبل نحو خمسة أو ستة ملايين سنة. هذا واستغرق كل من هو الخيول وحمير الزرد، والأسود والنمور، والفئران والجرذان، نفس المقدار من الوقت تقريبا لتتباعد عن أسلافها المشتركة[16]. حيث تميز تطور البشرية المعاصرة بالسرعة: فعلى سبيل المثال لقد تطور (الأوسترالابيثاسينز) Australopithicenes منذ ما يقرب من أربعة ملايين سنة مضت، على عكس ما هو الحال بشأن الإنسان المعاصر الذي استغرق عدة مئات الآلاف من الأعوام[17] ولقد طورت الإنسانية خلال هذا الحقبة ثلاث سمات مميزة ألا وهى:
(أ) القدرة على تكوين واستخدام الرموز التقليدية، بما في ذلك الرموز اللغوية ومشتقاتها، مثل اللغة المكتوبة والرموز الرياضية والملاحظات؛ (ب) القدرة على تكوين واستخدام الأدوات المعقدة وغيرها من التكنولوجيا المفيدة، و(ج) القدرة على تكوين مؤسسات وهيئات اجتماعية ذات طابع راقى.[18]
يرى مايكل توماسيلو Michael Tomasello، عالم نفس النمو أن السؤال الجوهرى الذي يطرح نفسه هو " من أين جاءت هذه الممارسات السلوكية الفريدة والمعقدة لتلك الفصائل وما يصحبها من مهارات معرفية ؟. فبما أن الفترة متباعدة جدا ما بين البشر المعاصرين وقردة الشمبانزى من ناحية وبين الخيول وحمير الزرد والفئران والجرذان من ناحية أخرى، وبما أن التطور البالغ التباين بينهم حدث قي فترة قصيرة من الزمن، " ينبغى أن يقوم هذا البحث على قدر قليل من الاختلاف والذي نجم عنه اختلاف بالغ الكبر، بمعنى آخر - بعض التكيف، أو قليل من ذلك التكيف، والذي غير عملية التطور المعرفي للحيوانات الراقية بشتى الطرق. " لا بد وأن الإجابة على هذا السؤال سوف تشكل أساسا لوجود تعريف علمي لمفهوم "ثقافة البشر. كما يراه توماسيلو" Tomasello[18]
يرى توماسيلو -في ضوء نتائج البحث الأساسي والذي يضم دراسة حول الإنسان والحيوانات الراقية وما اكتسبت من مهارات التعامل مع الأخرىن واستخدام الأدوات وآليات التعلم - بأن سر تقدم الإنسان على تلك المخلوقات يتمثل في (اللغة، والتكنولوجيات المعقدة، التنظيم الاجتماعي المتشعب) وتعتبر كلها عوامل تمخضت عن كم الموارد المعرفية الهائلة لدى البشر. وهذا ما يسمى "بالتأثير التدريجى" أى:" مشاركة مجموعة من الأشخاص أفكارا مبتكرة يعملون على نشرها فيما بينهم وفى الوقت ذاته يتم اختيار زعماء لتلك المجموعة من الشباب قي مقتبل العمر حتى تساعدهم لأن يظلوا كوحدة متضامنة قي نموذج متجدد إلى أن تأتى بارقة أمل على الطريق".ويتسم الأطفال حديثى الولادة بالمهارة في تعلم سلوك اجتماعى من نوع خاص بالفطرة.لعل من أهم ما ترتب على ذلك خلق بيئة محببة للابتكار الإجتماعى لديهم، مما جعلهم أكثر قدرة على التكيف ليس هذا فحسب بل والتواصل مع الأجيال الجديدة على عكس ما هو الحال في الابتكار الفردى.[19] وكما يرى توماسيلو ينقسم التعلم الإجتماعى -هذا الذي يميزالإنسان عن غيره من الحيوانات الراقية والذي يمثل دورا محوريا في عملية التطور الإنسانى -إلى عنصرين:أما الأول، فهو ما يسمي"التعلم عن طريق المحاكاة، " (في مقابل "التعلم عن طريق المنافسة" والذي تتصف به فصيلة القرود الأخرى)، وأما الثاني، ففى الواقع يعبر البشر عن تجاربهم بطريقة رمزية (بدلا من طريقة التماثيل، كما هو الحال بالنسبة للحيوانات الأخرى). لذلك يمكن كلا من هذين العنصرين البشر من الوصول إلى درجة من الإبداع والحفاظ على المخترعات المفيدة في نفس الوقت. وعلى هذا النحو ينتبلور ما يسمى بالتأثير التدريجى.
الشمبانزي الأم والطفل
الشمبانزي وكيفية استخراجه الحشرات
قرود المكاك الياباني قي جيكاديوكنى هوتسبرينج بنانجو Jigokudani hotspring in Nagano
يمثل التعلم بطريقة المنافسة النوع المتعارف عليه بين فصيلة الحيوانات الراقية حيث يركز على الأحداث البيئية المتطورة - ما ينتج من تغييرات بيئية ناجمة عن تصرف الأخرىن - أكثر من التركيز على العوامل المسببة لهذه الأحداث."[20][21][22] ويركز توماسيلو على أن التعلم بطريقة المنافسة لهو إستراتيجية للتكيف بدرجة عالية بالنسبة للقرود لأنه يركز على الآثار المترتبة على الفعل. ففى التجارب المختبرية، عرض على الشمبانزى طريقتين لاستخدام المجراف بوصفه أداة للحصول على شيء بعيد المنال نسبيا. اتسمت كلتا الطريقتين بالفعالية إلا أن إحداهما كانت أكثر فعالية من نظيرتها.ظل الشمبانزى مصرا على محاكاة الطريقة الأكثر فعالية.[23]
تستعمل الحيوانات الراقية أمثلة عديدة لطريقة التعلم عن طريق المنافسة بشكل متعارف عليه تماماتضم صور استحمام قرود المكاك اليابانية، واستخدام الشمبانزى للأدوات، وتواصل الشمبانزى عن طريق الإيماءات أمثلة جلية على التعلم عن طريق المنافسة لدى الحيوانات الراقية.في عام 1953، لوحظت أنثى قرد من فصيلة المكاك والتي تبلغ من العمر 18 شهرا وقتذاك وهى تأخذ قطعة رملية من البطاطا (تم اعطائها للقرود بواسطة المراقبين) إلى نبع مائى(وفيما بعد، إلى المحيط) ليغسل ما علق بها من الرمال. ثم لوحظ نفس هذا السلوك بمرور ثلاثة أشهر بعد ذلك، على والدتها واثنين من رفاقها في اللعب، ومن ثم على أمهات رفاقهم في اللعب في نفس الوقت. ليس هذا فحسب وإنما شوهدت سبع غيرها من صغار قرود المكاك يتعمدون غسيل البطاطس الخاصة بهم، وقد تبنت هذه الممارسة نسبة ما يقرب من 40 ? من الجماعة.[24][25] تمثل هذه القصة مثالا صارخا على تقليد السلوك الإنسانى إلا أنه ثبت بالدليل القاطع نفى ذلك.فتعتبر ازالة قردة المكاك الرمال عن طعامها سلوك فطرى بحت: تمت ملاحظة مثل هذا السلوك على تلك الفصيلة قبل ملاحظة الأولى وهى تغسل طعامها. وعلاوة على ذلك، فقد لوحظت عملية غسل البطاطا على أربعة قرود أخرى من نفس الفصيلة كل على حدة، مما يوحي بأنه قد تعلم ما لا يقل عن أربعة من القرود الآخرين أن تغسل الرمال بنفسها.[25] فقد تتعلم بعض القرود الأخرى غسل طعامها بطريقة سريعة وهى لا تزال في أقفاصها.[26] وأخيرا، تميز التعلم فيما بين قرود المكاك اليابانية بالبطء النسبى، هذا في الوقت الذي لم يتواكب فيه معدل تعلم الأعضاء الجدد في الفصيلة مع التزايد الواضح في أعداد الأعضاء. على هذا النحو إذا كانت المحاكاة هي الطريقة المستخدمة في التعلم، فإنه لابد لنسبة التعلم أن تتضاعف بشكل ملحوظ.فيعتبر غسل الطعام سلوكا كغيره من أنواع النظافة المتعارف عليها فيما بينهم بشكل طبيعى، كما يعتبر غسل الطعام سلوكا مكتسبا بالفطرة عند القرود التي تمكث منفردة بالقرب من المياه عوضا عن مسحه.فالبتالى يتبين أن كلا النوعين سواء الذي يظل برفقة القرد الذي غسل أولا أو الذي يمكث بجوار المياه مستمتعا بوقته، على دراية بكيفية غسل ما يحصلون عليه من البطاطا.كما يتضح لنا السبب في بطء معدل انتشار هذا السلوك.[27]
اكتسب الشمبانزى كثير من الأنشطة نتيجة لمعايشته عددا من السكان الذين يستخدمون أدوات متنوعة في نشاطهم اليومى مثل: صيد النمل الأبيض، وصيد النمل العادى، وغمس النمل، وشق الجوز، واستعمال أوراق الشجر ككمادات. يصطاد شمبانزى جومبى Gombe chimpanzees النمل الأبيض بواسطة عصا رفيعة صغيرة الحجم، ولكن يستخدم شمبانزى غربي أفريقيا عصا كبيرة الحجم لعمل حفرا في أكوام الطين واستخراج النمل الأبيض عن طريق الغرف بيديه.قد يرجع هذا التنوع إلى "العوامل البيئية" (فيوجد كثير من الأمطار بغربي أفريقيا، مما يجعل أكوام الطمى أكثر لينا وأسهل كسرا على عكس الحال بالنسبة للجومب بشرقى أفريقيا.وبالتالى، لدى قرود الشمبانزي القدرة على التعلم بطريقة المنافسة بشكل جيد. كما تتعلم صغار الشمبانزى كيفية تسلق فروع الأشجار وكيفية صيد الحشرات بطريقة فردية.فعندما يرون أمهاتهم يتسلقن الأشجار بغية صيد الحشرات من أجل غذائهم، يتعلموا على الفور أن يفعلوا ذلك بالمثل.وبعبارة أخرى، يقوم هذا الشكل من أشكال التعلم على أنشطة متعارف عليها من قبل الأطفال مسبقا.[21][28]
الأم والطفل
أسرة الإينكيتوت Inuit Family
الفتيات قي منطقة شينجيانغ بشمال غرب الصين
الأطفال في القدس
الأطفال في ناميبيا
يستخدم الأطفال طريقة التعلم بالمحاكاة ونقصد بها "اصدار استجابة مقصودة متوازنة مبنية على وعى تام مسبق لدى الطفل."[29] فيبدأ الأطفال حديثى الولادة في ادراك بعض الأدلة من هذا النمط من التعلم في عمر يتراوح ما بين التاسعة والثانية عشر، وذلك عندما يركز الطفل انتباهه ليس على الشئ وإنما على طريقة النظر للكبار والتي تمكنه من الاستفادة منهم باعتبارهم أدلة يهدونه السبيل في وقت لاحق " وبنفس الطريقة يتصرف الطفل مع الأشياء بنفس الطريقة التي يتصرف بها الكبار."[30] وتعتبر هذه العلاقة موثقة جيدا واصطلح على تسميتها "الصلة المشتركة" أو "الاهتمام المشترك."[31][32] كما يعرف التنامي في قدرة الأطفال على التعرف على الأخرىن عن طريق "العوامل المتعمدة:"حيث يكون لدى بعض "الناس " القدرة على السيطرة على تصرفاتهم العفوية" والذين "لديهم أيضا أهداف بحياتهم ويقومون بإتخاذ قرارات مصيرية من خلال وسائل سلوكية معينة لتحقيق غاياتهم الذين يسعون من أجلها."[33]
ادراك الطفل
تمد عملية نمو المهارات المشتركة بحلول نهاية العام الأول من حياة الطفل بأساس قوى للتعلم بطريقة المحاكاة يظهر بطبيعة الحال في العام الثاني.حيث قلد مجموعة أطفال يناهزوا ال18 شهرا من العمر طريقة معقدة نسبيا لشخص بالغ في إضاءة مفتاح الكهرباء، وإن كان لدى تلك المجموعة من الأطفال طرق أكثر سهولة وأكثر طبيعية لتحقيق نفس الهدف.[34] وفي دراسة أخرى، تعامل فيها مجموعة أخرى من الأطفال في عمر ال 16 شهرا مع البالغين الذين استخدموا سلسلة معقدة من الحركات بدت مقصودة بعض الشئ، ومجموعة مماثلة من الحركات بدت عرضية نوعا ما، بدأ الأطفال في محاكاة تلك الحركات التي تبدو متعمدة.[35] وكشفت دراسة أخرى تم اجراؤها على مجموعة من الأطفال يناهزون ال 18شهرا عن أنهم يحاكون البالغين في حركاتهم المتعمدة، والتي لا تشترط أن ينجحوا في تنفيذها بدرجة صحيحة في كل الأحايين.[36] ركز توماسيلو على أن هذا النوع من التعلم بالمحاكاة " يعتمد أساسا على قدرة الرضع على تمييز البالغين، وعلى قابليتهم على التعرف على تصرفات الآخرين والهدف من ورائها والوسائل المختلفة التي يمكن استخدامها لتحقيق ذلك."[37] يسمى ماسيلو هذا النوع من التعلم ب"التعلم الثقافي لأن تعلم الطفل ليس مجرد تعلم مجموعة أشياء من الأشخاص الآخرين، وإنما يعتبر أيضا تعلم أشياء من خلالهم—بمعنى أنه يجب أن يعرف شيئا عن وجهة نظر الكبار إبان موقف معين للاستفادة من حدوث موقف مماثل في المستقبل. "[38][39] ويخلص إلى أن الميزة الرئيسية للتعلم الثقافي هو أنه لا يحدث إلا عندما يقوم الفرد "بتفهم تصرفات الآخرين المتعمدة، كما هو الحال مع شخص ما، حينما تكون لديه وجهة نظر ما حيال العالم من حوله والتي يمكن اتباعها وتطبيقها والاستفادة منها بشكل عام.[40]
يعد كلا من التعلم بالمنافسة أو بالمحاكاة طريقتين مختلفتين لا يمكن تفسيرهما إلا قي ظل كلا من الظروف البيئية المحيطة أو ملابسات عملية التطور على حد سواء. ففى إحدى التجارب، تم تقديم اثنين من صغار الشمبانزى يناهزوا الثانية من العمر كل على حدة بأداة للغرف وشئ يبعد عنهم نسبيا.كما قدم الأشخاص البالغون طريقتين للوصول إلى الشئ باستخدام الأداة إحداهما فعالة والأخرى أقل فعالية.استخدم الشمبانزى الطريقة الأكثر فعالية ذاتها أكثر من مرة.وبنفس الطريقة، يقلد الأطفال أي أسلوب يتبناه البالغين ويرونه سليما. فربما يعتقد البعض بأن الشمبانزى أكثر ذكاء إذا ما وضع قي كفة مقارنة بنفس تلك المعايير مع البشر قي آن واحد. لدى كلا الطرفين نسبة ذكاء متساوية من منطلق الناحية التطورية لكن مع مراعاة اختلاف نوع الذكاء المرتبط باختلاف البيئات.[23] ترتبط آليات تعلم الشمبانزي مع البيئة المادية المحيطة بهم والتي لا تتطلب سوى القليل من التعاون الاجتماعي فيما بينهم(وذلك بالمقارنة مع البشر). فتتناغم آليات تعلم الإنسان والبيئة الاجتماعية المتشعبة المحيطة به حيث نجد أن تفهم وجهات نظر الأخرين أهم بكثير من النجاح قي أدء مهمة معينة.من وجهة نظر توماسيلو، مكنت تلك الآلية من تحقيق "التأثير التدريجى " والذي ساعد بدوره البشرية في تطور أنظمتها الاجتماعية المتشعبة والتي خلقت نوعا من التكيف الفعال مع البيئات المادية المختلفة على سطح البسيطة.[41]
التعليم الثقافي
يعتبر التعلم الثقافى من وجهة نظر توماسيلو ضرورة ملحة من أجل اكتساب اللغة.حيث لا يتعلم كل أطفال مجتمع ما أو معظمهم في آخر جميع المصطلحات من خلال التأثير المباشر من قبل البالغين عليهم.وعموما، يجب على السواد الأعظم من الأطفال أن يجدوا طريقة لتعلم اللغة من خلال الاحتكاك الإجتماعى الطويل الأمد، حتى من خلال الكلام الموجه لغيرهم في بعض الأحايين. وذلك لوجود كمية هائلة من المفردات الخاصة بلغتهم أيا كانت.هذا ما أكدته مجموعة متنوعة من التجارب التي تعلم من خلالها الأطفال بعض الكلمات الجديدة وإن لم يتواجد مصدرا مباشرا لتلك الكلمات، بل يمكن أن يتواجد أكثر من مصدر لها في آن واحد، ولم يكن للباغلين أية جهود مبذولة بطريقة مباشرة كمحاولة لتعليم ولو كلمة واحدة فقط للطفل.[42][43][44] لا يعتبر الرمز سوى علامة على الفهم العام لموقف مشترك هذا ما انتهى إليه توماسيلو.[45]
وأكد توماسيلو بعد استعراضه لبحث في عام 1999 تضمن مقارنة بين آليات تعلم البشر وغيرهم من الحيوانات الراقية ما جاء به عالم الانثروبولوجيا البيولوجية رالف هولواي Ralph Holloway في مناقشته عام 1969 من أن سر تطور البشرية وما توصلوا إليه من ادراك لطبيعة مفهوم الثقافة ما يتمثل في ترابط كلا من السلوك الإجتماعى والمعرفة الرمزية. وفقا لهولواي، يتمثل مفتاح السر في فهم تطور شبيه الإنسان، وهو في الوقت ذاته نفس مفتاح سر مفهوم كلمة "ثقافة"، في آلية تنظيم الإنسان لخبراته. تعتبر الثقافة هي "فرض شكل تعسفي على البيئة."[46] تعد تلك الحقيقة هي الأولى من نوعها والتي يتطرق فيها هولوواى إلى ما يميز كلا من آليات التعلم لدى الإنسان، واستخدام الآلة، واللغة. يعتبر كلا من صناعة البشر للآلة، وقدرتهم على اكتشاف اللغة عمليات معرفية متشابهة إن لم تكن متطابقة حيث تزودنا بدليل دامغ على كيفية تطور البشرية.[47]
وبعبارة أخرى كما أشار مكجرو على أهمية تركيز علماء الإنثربوبوجيا على أنماط السلوك مثل استخدام الآلة ومهارات التواصل وذلك لعدم إمكانية التعرف على ما في داخل العقل، رأى هولوواى بقطعية الدليل على وجود تباين في الناحية المعرفية بين البشر وغيرهم مثل وجود اللغة البشرية، واستخدام الآلة، بما في ذلك الأدوات الحجرية البدائية التي وجدت في سجل الحفريات والتي توضح بالضرورة تطور الإنسان.لا يتسائل هولوواى عن كيفية تعامل أو تعلم تلك المخلوقات مع بعضها البعض أو كيفية صناعتهم للأدوات وإنما في "طريقة" قيامهم بتلك الأمور."يعد غسل البطاطا في المحيط.. تجريد أغصان الأوراق لصيد النمل الأبيض"، وأمثلة أخرى لاستخدام الحيوانات الرئيسية للآلة شيئا مبدعا في حد ذاته، هذا وليس هناك أي تدخل من البيئة لمساعدة الحيوانات."[48] تمثل الأدوات البشرية شكل من أشكال استقلال الإنسان عن البيئة الطبيعية والذي يبرز التفكير الرمزى. "يتمثل أروع مظهر من مظاهر الإبداع قي عملية تحضير العصا لصيد النمل الأبيض وما فيها من تجسيد للعلاقة بين المنتج والمادة الخام. على العكس من ذلك، لا تتجسد أهمية العلاقة بين شكل المنتج النهائى والمادة الخام قي عملية صناعة الأداة الحجرية[49]
من وجهة نظر هولوواى، لدى أسلافنا من غير البشر، أمثال قرود الشمبانزي المعاصرة وغيرها من الرئيسيات الأخرى، نفس المهارات الحركية والحسية، والفضول، والذاكرة، والذكاء، ربما مع اختلاف في الدرجة. "إنه عندما يتم دمج هذه السمات الفريدة مع طرق الإنتاج التعسفي (ما يعرف بالرمزية)، وفرض هذا كله على هذا الكائن يظهر لدينا الرجل المثقف المعاصر قي ثوبه الأنيق."[50]
لقد ذكرت فيما سبق أنه لابد لأى نوع من الثقافات وأن يتضمن قي طياته شكلا من" فرض أساليب تعسفية على البيئة"تشمل هذه الجملة عنصرين. أولهما علينا الاعتراف بأن العلاقة بين عملية الترميز، وهذه الظاهرة (سواء كان ذلك آلة، أوشبكة اجتماعية، أو مبدأ مجرد) باعتباره غير مبدع. والآخر هو فكرة الإنسان كمخلوق قي حد ذاته والذي يمكنه سدل أستار من الوهم والضلال على أنظمة العمل ليمارس نزواته من خلالها، والذي يفرض أفكاره ومشاريعه على البيئة على حد سواء.ومن ثم يرضى شكل الجو المحيط به غروره والذي بدوره ينعكس بطبيعة الحال على البيئة مرة أخرى ويتخمها بأعباء التكيف مع الوضع الجديد.[51]
ويشبه هذا ما توصل إليه توماسيلو كغيره من فكرة "التدرج" التي تتيح للبشر مزيدا من التقدم السريع.بالنسبة لهولوواى، تزود المرحلة الأولى من الفكر الرمزي بين البشر بدفعة "بداية" لتنمية العقل، لابتكار آلات أكثر تعقيدا، وخلق هيكل اجتماعي، ولغة تتطور من خلال ديناميكية مستمرة من ردود الفعل الإيجابية. "يمثل هذا التفاعل بين النزوع إلى بنية البيئة بصورة تعسفية، وردود الفعل من البيئة المحيطة بالكائن الحي عملية طارئة، تختلف بطبيعتها عن أي شكل سبقها."[52]
تعسف
ادوات حجرية قديمة
فأس بسيط الحافة
أداة تقطيع
H] أدوات تقطيع
حدد كلا من تشارلز هوكيت Charles Hockett وآر آسكر R. Ascher بصفتهم من علماء اللغة ثلاثة عشرة سمة من سمات اللغة، يتقاسمها أشكال أخرى من التواصل بين الحيوانات. وتعتبر القدرة اللغوية الهائلة لدى الإنسان من إحدى تلك السمات، وبعبارة أخرى، يكون لدى المتحدثين بلغة ما القدرة على إنتاج عدد لا حصر له من العبارات الأصلية لتلك اللغة. ويبدو أن تلك القدرة ما هي إلا نتاج لحصيلة سمات بشرية من نوع فريد.كما تعد "ازدواجية الأشكال" من تلك السمات، حيث تتألف لغة الإنسان من التعبير عن عدة عمليات منفصلة، لكل منها مجموعة من القواعد الخاصة: مثل دمج الصوتيات اللغوية لتكوين المقاطع morphemes، والجمع بين morphemes لإنتاج الكلمات، والتي تشكل بدورها جملا في نهاية المطاف. وبالتالى يكون لدى أى شخص القدرة على إنتاج تركيبات لغوية بشكل لانهائى عن طريق إجادة عدد محدود من الإشارات الخاصة والقواعد اللغوية.وهناك عنصرا آخر بالغ الأهمية يتمثل في كون اللغة البشرية رمزية إلى حد ما:: حيث يمكن أن تحمل مجموعة كلمات مشتركة في نفس الصوت معانى متعددة وذلك لاختلاف طرق هجاء كل منها عن الأخرى.[53] ] وبمعنى آخر يتحدد معنى تلك الكلمات من خلال السياق بشكل واضح. فبما أن معان تلك الكلمات يفرض نفسه على السياق، ونتيجة وجود معان متعددة لكلمة واحدة، ونتيجة إمكانية الإشارة لأى شيء باستخدام مجموعة مختلفة من المفردات؛ فإنه يعتمد على اختيار الألفاظ بمعناها الذي يتضح من خلال السياق، وعلى قصد المتكلم من وراء كلامه، وعلى قدرة السامع على فهم ذلك كله بطريقة سليمة. فكما يرى توماسيلو Tomasello،
على المتكلم الناظر لشجرة معينة والذي يريد لفت انتباه السامع إلى تلك الشجرة أن يقرر التعبير المناسب هائلة من التنوع حول العالم). منذ أن ظهر بواس، وسادت اثنتين من المناقشات حول الأنثروبولوجيا الثقافية. يختص الأول بطرق محاكاة ثقافات معينة. على وجه التحديد، وناقش علماء الإنثروبولوجيا مفهوم "الثقافة" باعتباره شيء متكامل ومترابط، أو باعتباره مجموعة متنوعة من الأشياء، وأرقام ومعاني التي تتسم بالتغير المستمر. ولقد توصلت روث بنديكت تلميذة بواس بأن السمات الثقافية لأى مجتمع قد توجد بدرجة أقل أو أكثر"تكاملا"، والتي على هذا الأساس، تشكل نمطا من العمل والتفكير يضفى بريقا على الهدف الذي يعيش من أجله معظم الناس، ويوفر لهم أساسا تنطلق منه سبل تقييم الأفكار والأعمال الجديدة، وعلى الرغم من اقرارها بدرجات مختلفة من التكامل، إلا أنها لاحظت فشل بعض الثقافات في تحقيق التكامل المنشود.[111] وكما ذكر بواس، ومع ذلك، بأن الاندماج الكامل أمر نادر الحدوث، وإن ظهرت ثقافة ما على أنها متكاملة في بعض النواحى فيعزى هذا بدرجة كبيرة إلى تحيز الباحث.[112] من وجهة نظر بوااية المطاف، في محاولة منهم لتجريب الطرق البنيوية والمناهج الماركسية في الثقافة، واستمروا في تشجيع الأنثروبولوجيا الثقافية ضد الهيكلية الوظيفية.[160][161][162][163][164]
1940 -- الوقت الحاضر: المحلي مقابل العالمي
تطل قمة جبل تيبوزتيكو Tepozteco على أرجاء تيبوزتلان Tepoztl?n.
مدير دومينيكو دي لا ناتيفيداد Ex-convent of Dominico de la Natividad، أحد مواقع التراث العالمي.