أهم موضوعات العيد صلة الأرحام ، لقد دعا النبي عليه الصلاة والسلام في أوائل دعوته ، وفي مطلع نبوته إلى صلة الأرحام فقد أخرج الإمام مسلم بإسناده عن أبي أمامة قال : قال عمرو بن عبسة السلمي :
(( كنت وأنا في الجاهلية أظن أن الناس على ضلالة , وأنهم ليسوا على شيء وهم يعبدون الأوثان فسمعت برجل بمكة يخبر أخباراً , فقعدت على راحلتي , فقدمت عليه , فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخفياً ، فتلطفت حتى دخلت عليه بمكة فقلت له : ما أنت ؟ قال : أنا نبي ، فقلت : و ما نبي ؟ قال : أرسلني الله ، فقلت : وبأي شيء أرسلك ؟ قال : أرسلني بصلة الأرحام ، وكسر الأوثان ، وأن يوحد الله لا يشرك به شيئاً .))
[ مسلم عن عمرو بن عبسة السلمي]
أول كلمة قالها النبي عليه الصلاة والسلام أرسلني بصلة الأرحام .
ونحن في العيد والعيد مناسبة أولى لصلة الأرحام ، النبي عليه الصلاة والسلام كما قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه :
(( أوصاني خليلي بصلة الرحم وإن أدبرت ))
[ رواه الطبراني عن أبو ذر]
لذلك قالوا صلة الأرحام أمارة أي دليل على الإيمان ، لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ))
[ متفق عليه عن أبي هريرة ]
ربط هذه الصلة بالإيمان :
(( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ))
ثواب صلة الرحم معجل في الدنيا ونعيم في الآخرة :
هذه الصلة عبادة جليلة ، هناك عبادات شعائرية كالصلاة والصوم والحج والزكاة ، وهناك عبادات تعاملية ، هذه الصلة عبادة جليلة من أخصّ العبادات ، يقول بعض العلماء : ما من خطوة بعد الفريضة أعظم أجراً من خطوة إلى ذي رحم ، ثواب هذه الصلة معجل في الدنيا ونعيم في الآخرة .
لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( ليس شيء أطيع الله فيه أعجل ثواباً من صلة الرحم ))
[ البيهقى عن أبى هريرة ]
والقائم بهذه الصلة موعود بالجنة ، فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام في إحدى خطبه :
(( أهل الجنة ثلاث : ذو سلطان مقسط ـ متصدق ، موفق ـ ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى مسلم ، وعفيف متعفف ذو عيال ))
[ مسلم عن عياض بن خمار]
والله عز وجل قال :
﴿ فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ (38)﴾
( سورة الروم)
له حق عليك ، آتِ فعل أمر :
﴿ فَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ (38)﴾
( سورة الروم)
قدم الله القرابة على المساكين وأبناء السبيل ، قال تعالى :
﴿ يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ (215)﴾
( سورة البقرة)
لا تقبل زكاة مسلم وفي أقربائه محاويج ، الآخرون أنت لهم وغيرك لهم أما أقرباؤك من لهم غيرك ؟
الأقربون من ذوي المسكنة هم أول من يعطوا الصدقة :
أيها الأخوة الكرام ، لذلك أول من يعطى الصدقة هم الأقربون من ذوي المسكنة :
(( كان أبو طلحة أكثر أنصاريّ بالمدينة مالاً ، وكان أحب أمواله إليه بئر حاء ، وكانت مستقبلة المسجد وكان النبي عليه الصلاة والسلام يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب ، فلما نزلت لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون قام أبو طلحة إلى النبي عليه الصلاة والسلام فقال : يا رسول الله إن الله تعالى يقول : لن تنالوا البر حتى تنفقوا ما تحبون وإن أحب أموالي إلي بئر حاء وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث شئت فقال بخ بخ ذاك مال رابح ))
[روى البخاري ومسلم في الصحيحين عن أنس بن مالك]
هذا هو الربح الحقيقي الذي تدخره ، الربح الحقيقي الذي تنفقه ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَا بَقِيَ مِنْهَا ؟ قَالَتْ : مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلَّا كَتِفُهَا ، : قَالَ بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرَ كَتِفِهَا ))
[ الترمذي وأحمد ]
سيدنا عمر أمسك تفاحة قال : أكلتها ذهبت أطعمتها بقيت ، فقال بخ ذلك مال رابح قد سمعت ما قلت فيها ، الآن دققوا وأرى أن تجعلها في الأقربين ، أحب أمواله إليه قدمها إلى رسول الله قال : أرى أن تجعلها في الأقربين ، قال أفعل ذلك يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبنو عمه .
كلمة الأرحام تعني :
1 ـ أخوك في الله من أرحامك ولو لم يكن قريباً لك :
أخوك في الله من أرحامك
ماذا تعني كلمة أرحام ؟ قال : أولاً رحم الدين أخوك في الله من أرحامك هذا معنى جديد ، أخوك في الله ، المؤمن ولو لم يكن قريباً لك ، لو كان من بلد آخر ، لو كان من جنسية أخرى ، لو كان يتكلم لغة أخرى هو من أرحامك ، رحم الدين تشمل جميع المسلمين لقوله تعالى :
﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)﴾
( سورة الحجرات : 10)
فأثبت الله الأخوة الإيمانية لجميع المسلمين :
﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)﴾
( سورة محمد)
2 ـ رحم القرابة البعيدة والقريبة من جهة الأبوين :
الرحم الثانية رحم القرابة البعيدة والقريبة من جهة الأبوين ، أوسع تعريف ، الأقرباء الأباعد والأقرباء الأقارب من جهة الأب ومن جهة الأم .
لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا ))
[متفق عليه عَنْ عَائِشَةَ]
وصلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار .
(( إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء ))
[الترمذي عن أنس بن مالك]
بنود صلة الرحم مع الأقارب :
رحم المؤمنين بملازمتهم ورحم الأقارب بصلتهم
أيها الأخوة ، ماذا تعني صلة الرحم ؟ هناك من يتفضل على قريبه الفقير بأن يطل عليه في العام مرة في العيد ويتمنى ألا يجده في البيت ، يضع له بطاقة ، وانتهى الأمر ، هذا أسوأ معنى لصلة الرحم ، أولاً يجب صلة الرحم بملازمة المؤمنين ، ما دام من معاني صلة الرحم أن أهل الإيمان رحم ، ملازمة المؤمنين ، ومحبة المؤمنين ، ونصرة المؤمنين ، والنصيحة للمؤمنين ، وترك أذية المؤمنين ، والعدل بين المؤمنين ، والإنصاف في معاملتهم ، و القيام بحقوقهم الواجبة ، كتمريض المريض ، ومواساة فقرائهم ، ونصرة مظلوميهم ، وحقوق موتاهم من غسلهم ، والصلاة عليهم ، ودفنهم ، هذه كلها حقوق تدخل في صلة الأرحام من معاني الصلة إصلاح ذات بالبين إن فسدت
المؤمن من أرحامك ، أما الرحم الخاصة تكون الصلة بزيارتهم ، وتفقد أحوالهم ، والسؤال عنهم ، والإهداء إليهم ، والتصدق على فقيرهم ، والتلطف مع وجيههم وغنيهم ، وتوقير كبيرهم ، ورحمة صغيرهم ، وتكون باستضافتهم ، وحسن استقبالهم ، وإعزازهم ، ومشاركتهم في أفراحهم ، ومواساتهم في أتراحهم.
هذه بنود صلة الرحم مع الأقارب ، وتكون الصلة أيضاً بالدعاء للأرحام ، وسلامة الصدر لهم ، والحرص على نصحهم ، ودعوتهم للخير ، وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر ، وإصلاح ذات البين إذا فسدت ، هذا كله من صلة الرحم .
وتكون ببشاشةٍ عند اللّقاء ، ولينٍ في المُعاملة ، إلى طيبٍ في القول ، وطلاقةٍ في الوجه ، وزيارات وصِلات ، وإحسان إلى المحتاج ، وبذل للمعروف ، ونصحُهم ، والنّصحُ لهم ، ومساندة مكروبِهم ، وعيادة مريضهم ، الصفح عن عثراتهم ، وترك مُضرتهم ، والمعنى الجامِع لذلك كلِّه : إيصالُ ما أمكَن من الخير ، ودفعُ ما أمكنَ منَ الشرّ .
من أجل العبادات بعد أداء الفرائض هذه الصلة ، هذه تمتن العلاقات ، تجمع المجتمع وحدة متماسكة ، بل إن الضمان الاجتماعي جعله الله على أساس القرابة .
على المؤمن أن يتفقد أحوال أقاربه و يساعدهم بألطف أسلوب :
صل رحمك ولو بمكالمة هاتفية على اقل تقدير
طبعاً الأقارب يختلفون في أحوالهم ، وطباعهم ، ومنازلهم ، فمنهم من يرضى بالقليل ، فتكفيه الزيارة السنوية ، والمكالمة الهاتفية ، ومنهم من يرضى بطلاقة الوجه ، والصلة بالقول ، ومنهم من يعفو عن حقه كاملاً ، ويلتمس المعاذير لأرحامه ، منهم من لا يرضى إلا بالزيارة المستمرة ، وبالاهتمام الدائم ، فمعاملتهم بهذا المقتضى تعين على حسن الصلة بهم ، كل قريب له طبع ، بشكل مختصر تبدأ صلة الرحم بنوع من الاتصال ، الاتصال الهاتفي نوع من الصلة ، أو البريدي ، أو كتابة رسالة ، الآن في رسالة على الهاتف .
ثم الزيارة ، ثم تفقد الأحوال المعيشية ، الآن هناك قوي وضعيف ، قريب قوي وقريب ضعيف ، قريب غني وقريب فقير ، الأقوى والأغنى مهمته بعد الزيارة تفقد الأحوال المعيشية والاجتماعية ، ثم المساعدة بألطف أسلوب ، والله أخ حدثني من هذا المسجد سمع بعض الخطب عن الأرحام والصلة ، له قريب لا يعرفه سأل عن بيته وزاره ، هذا القريب شهم طبعاً وضع له بطاقة لم يلتقِ به ، اتصل به ، سأله عن بيته فزاره ، القريب ميسور الزائر كان فقيراً ساكناً في بيت تحت الأرض شمالي وعنده خمسة أولاد ، هذا بيتك ؟ ابحث عن بيت ، أمن له بيتاً خلال شهر رابع طابق ، والله أقسم بالله هذا الأخ أنه عندما زار قريبه تنفيذاً لوصية رسول الله فقط ، القريب شهم لما زاره في بيته قال هذا البيت لا يصلح لأولادك ، بحث عن بيت خلال شهرين وأمن له ثمنه .
الهدف الكبير من صلة الرحم تفقد أحوال الأقارب المادية والمعيشية والدينية والتربوية :
تفقد الأحوال المعيشية والاجتماعية ، ثم المساعدة بألطف أسلوب ، ثم الأخذ بيد القريب ، وأهله إلى الله ، وحملهم على طاعته ، والتقرب إليه ، وهذا تاجٌ تتوّج به هذه الصلة ، وعندئذ تكون هذه الصلة حققت هدفها الأكبر .
أن تتفقد أحوالهم المعيشية ، والاجتماعية ، والتربوية ، والعلمية ، ابنهم يحتاج إلى قسط جامعة ، ابنهم ذكي ومتفوق ، ثم تنفذ هذه الحاجات ، ثم الأخذ بيد القريب إلى الله ، والله أعرف أخاً طرق باب أخته سمع شجاراً بينها وبين زوجها على مبلغ من المال طلبته منه من أجل كسوة بناته ، الزوج دخله محدود رفض رفع صوته عليها ، رفعت صوتها عليه ، فلما دخل سأل ما القضية ؟ قضية ثلاثمئة ليرة في الشهر القصة قديمة منذ عشرين سنة قال هذه مني يا أختي ، أرسل لها كل شهر ثلاثمئة ليرة تغطية نفقات البنات ، قال بعد ستة أشهر طلبت مني درساً أسبوعياً ، قال لي أنا ليس داعية حضرت حالي ، آية قرآنية ، وحديث ، وقصة ، وحكم فقهي ، جمعت بناتها ، بنات أخواتها ، يعني ممن يجوز أن يجلس معهم ، قال لي أول بنت تحجبت ، الثانية تحجبت ، الثالثة ، الرابعة ، الخامسة ، وتزوجوا جميعاً ، هذه صلة الرحم يجب أن تزور قريبك ، تتفقد أحواله ، تعاونه مالياً ، تربوياً ، دينياً ، علمياً .
ثمار صلة الرحم :
لذلك اسمعوا هذا القول أول آية بأول سورة بأول شيء في القرآن : قَالَ جبريل للنبي * :
((﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾، فَرَجَعَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُفُ فُؤَادُهُ ، فَدَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، فَقَالَ : زَمِّلُونِي ، زَمِّلُونِي ، فَزَمَّلُوهُ حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ ، فَقَالَ لِخَدِيجَةَ ، وَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ : لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي ، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ : كَلَّا ، لم يأت بعد القرآن لم يقل الحديث الشريف ، أول عهدها برسول الله ، وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا ، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ ))
[رواه البخاري ومسلم عن عائشة]
هذه الفطرة إنسان يصل رحمه ، يطعم الجائع ، يطعم الضعيف ، يعين القريب ، هذا الإنسان لا يخزيه الله أبداً ، الله عز وجل وعد أنه من وصل رحمه يصله ومن قطع رحمه يقطعه .
(( إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ قَالَتْ الرَّحِمُ : هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ ، قَالَ : نَعَمْ ، أَمَا تَرْضَيْنَ ، يعني أيتها الرحم ، أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ ؟ قَالَتْ : بَلَى يَا رَبِّ ، قَالَ : فَهُوَ لَكِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ :
﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ﴾))
[ متفق عليه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]
صلة الرحم بسط في الرزق وبركة في العمر
وهناك حديث آخر :
(( الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ ، تَقُولُ : مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ ))
[مسلم عَنْ عَائِشَةَ]
صلةِ الرّحم ؛ محبّةُ للأهل ، وبَسطُ الرّزق ، وبركةُ العُمر ، يقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الْأَهْلِ ، مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ ، مَنْسَأَةٌ فِي أَثَرِهِ ))
[ رواه أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]
تطيل العمر بمعنى إطالة مضمون يزداد هذا العمر غنىً بالعمل الصالح ، وفي حديث :
(( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ))
الصلة مدعاة لرفع الواصل وسبب للذكر الجميل :
أيها الأخوة ، صلةُ الرّحم علامة على كَرَم النّفس ، وسَعَةِ الأفُق ، وطيبِ المنبَتِ ، وحُسن الوَفاء ، ولهذا قيل : مَن لم يَصْلُحْ لأهلِه لم يَصْلُحْ لك ، إياك أن تشارك إنساناً عاقاً لوالديه ، لو كان فيه خير لكان الخير لوالديه ، إياك أن تشارك من كان قاطعاً للرحم ، مَن لم يَصْلُحْ لأهلِه لم يَصْلُحْ لك ، ومَن لم يذُبَّ عنهم لم يذبَّ عنك ، يُقْدِم عليها أولو التّذكرةِ وأصحابِ البصيرة .
الآن هذه الصلة مدعاة لرفع الواصل ، وسبب للذكر الجميل ، وموجبة لشيوع المحبة ، صلة الرحم تقوَي المودَّة ، وتزيدُ المحبّة ، توثَّق عُرى القرابةِ ، وتزول العداوةُ والشّحناء ، فيها التعارفُ والتواصلُ والشعور بالسّعادة
رسول الله عليه الصلاة و السلام أوصل الناس بأرحامه :
أيها الأخوة ، بلغ في صلة الرحم مبلغاً عظيماً ، ضرب به المثل على مرِّ التاريخ ، ما سمعت الدنيا بأوصل منه صلى الله عليه وسلم ، قام على قرابته ، أبناء عمه وأقاربه ، أخرجوه من مكة ، وطاردوه ، وشتموه ، وآذوه ، حاربوه في المعارك ، ونازلوه في الميدان ، قاموا بحرب عسكرية وإعلامية واقتصادية ضده ، فلما انتصر : دخل مكة منتصرا ً، ووقفت له الأعلام مكبرة .
عشرة آلاف سيف متوهجة تنتظر أمراً منه وشأن الفاتحين أن يبيدوا أعداءهم فقال ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا أخ كريم وابن أخ كريم قال فاذهبوا فأنتم الطلقاء ، هذا أروع مثل يضربه إنسان لعشرين عاماً عانى ما عانى من قريش ، حروب وقتل وسفك دماء وتعذيب وإهانة فلما ملكهم وانتصر عليهم عفا عنهم .
النبي عليه الصلاة والسلام له ابن عم اسمه أبو سفيان بن الحارث ، فيسمع بالانتصار ، وقد آذى الرسول عليه الصلاة والسلام ، وشتمه ، وقاتله ، فيأخذ هذا الرجل أطفاله ، ويخرج من مكة ، فيلقاه علي بن أبي طالب ، يقول : يا أبا سفيان ! إلى أين تذهب ؟ قال : أذهب بأطفالي إلى الصحراء فأموت جوعاً وعرياً ! والله إن ظفر بي محمد ليقطعني بالسيف إرباً إِرباً ! فيقول علي ـ وهو يعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ أخطأت يا أبا سفيان ! إن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصل الناس ، وأبر الناس ، وأكرم الناس ، فعد إليه ، وسلم عليه بالنبوة ، وقل له كما قال إخوة يوسف ليوسف :
﴿ تَا للَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴾
هو موقن بالقتل يأتي بأطفاله ، ويقف على رأس المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ويقول : يا رسول الله! السلام عليك ورحمة الله وبركاته :
﴿ تَا للَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ ﴾
فيبكي عليه الصلاة والسلام ، وينسى تلك الأيام ، وتلك الأعمال ، وتلك الصحف السوداء ، ويقول :
﴿ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾
أبو سفيان بن حرب ماذا يقول عن النبي عليه الصلاة والسلام ؟ يقول : يا بن أخي ، ما أوصلك ؟ ما أرحمك ؟ ما أحكمك ؟ ما أعقلك ؟
العيد أفضل مناسبة لتفقد الأقارب وزيارتهم ومساعدتهم وإكرامهم :
العيد أفضل مناسبة لتفقد الأقارب وزيارتهم
أيها الأخوة ، الموضوع طويل لكن أعتقد العيد أفضل مناسبة لتفقد الأقارب ، وزيارتهم ، ومساعدتهم ، وإكرامهم ، يقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم ))
[أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي عن أبي الدرداء ]
هذا الضعيف هلا أطعمته إن كان جائعاً ، كسوته إن كان عارياً ، علمته إن كان جاهلاً ، آويته إن كان مشرداً ، زوجته إن كان أعزباً ، أنصفته إن كان مظلوماً ، إذا فعلت هذا مع الضعيف تنتصر به على أعدائك :
(( إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم ))
فكيف إذا كان هذا الضعيف قريباً من أقربائك ، والله هناك دعاوى بقصر العدل من أم لا تجد ما تأكل على ابنها الغني كي يطعمها .
الرسول الكريم المعلم الأول في تعليم الناس معنى صلة الأرحام :
أيها الأخوة الكرام ، الآن قصة أخرى تأتيه أخته من الرضاعة ، وقد ابتعدت عنه عقوداً عديدة ، فتأتيه وهو لا يعرفها ، وهي لا تعرفه أيضاً ، رضعت من حليمة السعدية معه فلما جاءته الرسالة ، وصار بأعلى مقام سمعت به ، والله رضع معي فأنا أخته ، وتسمع وهي في بادية بني سعد في الطائف بانتصاره ، فتأتي لتسلم على أخيها من الرضاع ، وهو تحت سدرة عليه الصلاة والسلام ، والناس بسيوفهم بين يديه ، وهو يوزع الغنائم بين العرب ، فتستأذن ، فيقول لها الصحابة : من أنت ؟ فتقول : أنا أخت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هم استغربوا ، أنا الشيماء بنت الحارث أرضعتني أنا وإياه حليمة السعدية ، فيخبرون الرسول عليه الصلاة والسلام يتذكر القربى وصلة الرحم ، ويقوم لها ، ترك أصحابه وقام ليستقبلها ، ليلقاها في الطريق ، ويرحب بها ترحيب الأخ لأخته بعد طول غياب ، وبعد الوحشة والغربة ، ويأتي بها ويجلسها مكانه ، ويظللها من الشمس .
تصوروا أيها الأخوة ، رسول البشرية ، ومعلم الإنسانية ، ومزعزع كيان الوثنية ، يظلل عجوزاً هي أخته من الرضاع من الشمس ، يترك الناس وشؤون الناس ، ويقبل عليها ويسألها ، ويقول لها : يا أختاه كيف حالكم ؟ يا أختاه أتختارين الحياة عندي ، أو تريدين أهلك ؟ فتقول : أريد أهلي ، فيمتعها بالمال ويعطيها مئة ناقة ، ليُعلمِّ الناس معنى صلة الأرحام .
يا سيدي ، يا رسول الله ، يا من كانت الرحمة مهجتك ، والعدل شريعتك ، والحب فطرتك ، والسمو حرفتك ، ومشكلات الناس عبادتك ، يا سيدي يا رسول الله ، يا من جئت الحياة فأعطيت و لم تأخذ ، يا من قدست الوجود كله ، ورعيت قضية الإنسان ، يا من زكيت سيادة العقل ، و نهنهت غريزة القطيع ، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع فعشت واحداً بين الجميع .
أيها الأخوة الكرام ، حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم ، واعلموا أن ملك الموت قد تخطانا إلى غيرنا ، وسيتخطى غيرنا إلينا ، فلنتخذ حذرنا ، الكيس من دان نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنى على الله الأماني ، والحمد لله رب العالمين .