فضلاً ما كنت أود إضافة اى كلمات مع الموضوع
وإن كنت لا أحب المواضيع الطويلة الا إنه ممتع ومفيد وأنا شخصيا كنت فى
حالة حزن فى لحظة ما مما دعانى لذكره ولا أنكر أنى تعلمت منه حقيقة
وأستفدت وأرجو من الله أن ينفعكم به .. ويمكنك نسخه والاحتفاظ به لتعود
إليه متى شئت وإن شئت نشره- فقط الدعاء - اللهم أستخدمنا ولا تستبدلنا
اللهم أنفعنا وأنفع بنا .. اللهم آآآمين ..
----------------------------------------------------
مختارات
من كتاب
لا تحـــــزن
د . عائض القرني
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبة وبعد:
كتبت هذا الحديث لمن عاش ضائقه أو ألمَّ به همٌّ أو حزن, أو طاف به طائف
من مصيبة, أو أقضَّ مضجعه أرقٌ, وشرَّد نومه قلقٌ, وأيُّنا يخلو من ذلك ؟!
هذا الكتاب يقول لك: أبشر واسعد, وتفاءَل واهدء , بل يقول: عِش الحياة كما هي , طيبة
ً رضيَّة بهيجة .
إنه ينهاك نهياً جازماً عن الإصرار على مصادمة الحياة ومعاكسة القضاء,
ومخاصمة المنهج ورفض الدليل, بل يُناديك من مكان قريب من أقطار نفسك, ومن
أطراف رُوحك أن تطمئن لحسن مصيرك, وتثق بمعطياتك وتستثمر مواهبك, وتنسى
منغّصات العيش, وغصص العمر وأتعاب المسيرة .
يا الله
{ يَسأَلهُ مَن فِى السَّمَوَاتِ وَالأرضِ كُلَّ يَومٍ هُوَ فِى شَأنٍ }
إذا اضطرب البحر, وهاج الموج , وهبَّتِ الريح, نادى أصحاب السفينة: يا الله .
إذا ضلَّ الحادي فى الصحراء, ومال الركبُ عن الطريق, وحارت القافلة فى السير نادوا : يا الله .
إذا وقعت المصيبة, وحلّت النكبة, وجَثَمت الكارثة , نادى المصاب المنكوب: يا الله .
إذا أُوصدتِ الأبوابُ أمام الطالبين, وأسدلت الستور فى وجوه السائلين, صاحوا: يا الله .
إذا بارت الحِيل, وضاقت السبل, وانتهت الآمال, وتقطَّعت الحبال نادوا: يا الله .
إذا ضاقت عليك الأرض بما رَحُبَت, وضاقت عليك نفسُك بما حملت, فاهتف: يا الله .
إليه يصعد الكلم الطيب, والدعاء الخالص, والهاتف الصادق, والدمع البريء, والتفجُّع الواله .
إليه تُمدُّ الأكفُّ فى الأسحار, والأيادي فى الحاجات, والأعين فى الملمَّات والأسئلة فى الحوادث .
باسمه تشدو الألسن, وتستغيث وتلهج وتنادى, وبذكره تطمئن القلوب, وتسكن
الأرواح, وتهدأ المشاعر, وتبرد الأعصاب, ويثوب الرشد, ويستقرُّ اليقين, {
واللهُ لطِيفٌ بِعِبَادِهِ }
الله:
أحسن الأسماء, وأجمل الحروف, وأصدق العبارات, وأثمن الكلمات { هَل تَعلَمُ لَهُ سَمِيّاً }؟! .
الله:
فإذا الغنى والبقاء, والقوة والنُّصرة, والعز والقدرة والحكمة, { لِمَنِ المُلكُ اليَومَ لله الوَاحِدِ القَهَّارِ }
الله:
فإذا اللطف والعناية, والغوث والمدد, والوُدُّ والإحسان, { وَمَا بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ الله}
الله:
ذو الجلال والعظمة, والهيبة والجبروت .
اللهم
فأجعل مكان اللوعة سلوة, وجزاء الحزن سرورا, وعند الخوف أمناً, اللهم أبرد
لاعِجَ القلب بثلج اليقين, وأطفئ جمر الأرواح بماء الإيمان .
يا ربُّ
ألق على العيون الساهرة نعاساً أمنةً منك, وعلى النفوس المضطربة سكينة, وأثبها فتحاً قريباً.
يا رب
أهدِ حيارى البصائر الى نورِك, وضلال المناهج الى صراطك, والزائغين عن السبيل الى هداك .
اللهم
أزل الوساوس بفجر صادق من النور, وأزهق باطل الضمائر بفيلق من الحق, وردَّ كيد الشيطان بمدد من جنود عونِك مُسوِّمين .
اللهم
أذهب عنَّا الحزَن, وأزل عنَّا الهمَّ, وأطرد من نفوسنا القلق .
نعوذ بك من الخوف إلا منك, والركون إلا إليك, والتوكل إلا عليك, والسؤال
إلا منك, والاستغاثة إلا بك, أنت ولينا, نعم المولى ونعم النصير .
فكِّر واشكُ
المعنى: أن تذكر نعم الله عليك، فإذا هي تغمرك من فوقك، ومن تـحت قدميك{
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا }صحة في بدن، أمنٌ في
وطن، غذاءٌ وكساء، هواءٌ وماء، لديك الدنيا وأنت لا تشعر، تملك الحياة
وأنت لا تعلم{ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}عندك
عينان، ولسان وشفتان، ويدان ورجلان، وأمن في أوطان{ فَبِأَيِّ آلاءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ}هل هي مسألة سهلة أن تمشي على قدميك, وقد بُتِرَت
أقدام؟! وأن تعتمد على ساقيك, وقد قطعت سوق؟! أحقير أن تنام ملء عينيك,
وقد أطار الألمُ نوم الكثير؟! وأن تملأ معدتك من الطعام الشهي, وأن تكرع
من الماء البارد وهناك من عُكِّر عليه الطعام، ونغِّص عليه المنام بأمراض
وأسقام؟! تفكَّر في سمعِك، وقد عوفيت من الصمم، تأمل في نظرِك وقد سلمت من
العمى، وانظر إلى جلدِك وقد نجوت من البرص والجذام، والمَح عقلَك وقد
أُنعم عليك بحضوره، ولم تُفْجَع بالجنون والذهول.
أتريد في بصرك وحده كجبل أحد ذهباً؟! أتحب بيع سمعك بوزن ثهلان فضة؟! هل
تشتري قصور الزهراء بلسانك فتكون أبكم؟! هل تقايض بيديك مقابل عقود اللؤلؤ
والياقوت لتكون أقطع؟! إنك في نِعَمٍ عميمة، وأفضال جسيمة، وآيات عظيمة؛
ولكنك لا تدري، تعيش مهموماً مغموماً حزيناً كئيباً، وعندك الخبز الدافئ،
والماء البارد، والنوم الهانئ، والعافية الوارفة، تتفكر في المفقود ولا
تشكر الموجود, تنزعج من خسارة مالية، وعندك مفتاح السعادة، وقناطير مقنطرة
من الخير والمواهب والنعم والأشياء، فكِّر واشكُر{ وَفِي أَنْفُسِكُمْ
أَفَلا تُبْصِرُونَ}فكّر في نفسك، وأهلك، وبيتك، وعملك، وعافيتك،
وأصدقائك، والدنيا من حولك {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ
يُنْكِرُونَهَا}
ما مضى فات
تذكُّرُ الماضي والتفاعل معه واستحضاره, والحزن لمآسيه حمقٌ وجنونٌ، وقتلٌ
للإرادة، وتبديد للحياة الحاضرة، إن ملف الماضي عند العقلاء يُطوَى ولا
يُروَى، يُغلَق عليه أبداً في زنزانة النسيان، يُقيَّد بحبال قوية في سجن
الإهمال، فلا يَخْرُج أبداً، ويُوصَد عليه فلا يرى النور؛ لأنه مضى
وانتهى، لا الحزن يعيده، لا الهم يصلحه، ولا الغم يصححه، لا الكَدَر
يحييه؛ لأنه عدم؛ لا تَعِشْ في كابوس الماضي وتحت مظلة الفائت، أنقذ نفسك
من شبح الماضي؛ أتريد أن ترُدَّ النهر إلى مَصبِّه! والشمس إلى مطلعِها!
والطفلَ إلى بطن أمه, واللبنَ إلى الثدي, والدمعةَ إلى العين. إن تفاعلك
مع الماضي, وقلقك منه، واحتراقك بناره، وانطراحَك على أعتابه، وضعٌ
مأساويٌّ رهيبٌ مخيفٌ مفزعٌ .
القراءة في دفتر الماضي ضياع للحاضر، وتمزيق للجهد، ونسف للساعة الراهنة،
ذكر الله الأمم وما فعلت، ثم قال: { تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ}انتهى
الأمر وقضي, ولا طائل من تشريح جثة الزمان، وإعادة عجلة التاريخ.
إن الذي يعود للماضي, كالذي يطحن الطحين وهو مطحون أصلاً، وكالذي ينشر
نشارة الخشب، وقديماً قالوا لمن يبكي على الماضي: لا تخرجوا الأموات من
قبورهموقد ذكر من يتحدث على ألسنة البهائم، أنهم قالوا للحمار: لم لا
تجتر؟ قال: أكره الكذب.
إن بلاءنا أننا نعجز عن حاضرنا، ونشتغل بماضينا، نهمل قصورنا الجميلة،
ونندب الاطلال البالية، ولئن اجتمعت الإنس والجن على إعادة ما مضى لما
استطاعوا؛ لأن هذا هو المحال بعينه.
إن الناس لا ينظرون إلى الوراء ولا يلتفتون إلى الخلف؛ لأن الريح تتجه إلى
الأمام، والماء ينحدر إلى الأمام، والقافلة تسير إلى الأمام، فلا تخالف
سنة الحياة .
الإحسان إلى الغير انشراح للصدر
الجميل كاسْمِه، والمعروف كرَسْمِه، والخير كطعمه، أول المستفيدين من
إحسان الناس هم المتفضلون بهذا الإسعاد، يجنون ثمرته عاجلاً في نفوسهم،
وأخلاقهم، وضمائرهم، فيجدون الانشراح والانبساط، والهدوء والسكينة .
فإذا طاف بك طائف من همٍّ، أو أَلَمَّ بك غم فامنح غيرك معروفاً، واسْدِ
له جميلاً، تجد الفرج والرَّاحة. أعط محروماً، انصر مظلوماً، انقذ
مكروباً، أطعم جائعاً، عِد مريضاً، أعن منكوباً، تجد السعادة تغمرك من بين
يديك ومن خلفك .
إن فعل الخير كالطيب ينفع حامله وبائعه ومشتريه، وعوائد الخير النفسيِّة
عقاقير مباركة تصرف في صيدلية الذين عُمرت قلوبهم بالبر والإحسان .
إن توزيع البسمات المشرقة على فقراء الأخلاق صدقة جارية في عالم القيم "
ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق " وإن عبوس الوجه إعلان حرب ضروس على الآخرين،
لا يعلم قيامها إلا علاَّم الغيوب .
شربة ماء من كف بغي لكلب عقور؛ أثمرت دخول جنة عرضها السموات والأرض؛ لأن صاحب الثواب غفور، شكور، يحب الجميل, غني حميد .
يا من تهددهم كوابيس الشقاء والفزع والخوف هلموا إلى بستان المعروف
وتشاغلوا بالغير, عطاءً وضيافة ومواساة وإعانة وخدمة، وستجدون السعادة
طعماً ولوناً وذوقاً{ وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى *
إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى }
قضاءٌ وقدر
{ مَا أَصَابَ مِنْ مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ
إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا } جف القلم، رُفعت
الصحف، قُضي الأمر، كتبت المقادير {لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ
اللَّهُ لَنَا }ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك.
إن هذه العقيدة إذا رسخت في نفسك، وقرَّت في ضميرك، صارت البلية عطية،
والمحنة منحة، وكل الوقائع جوائز وأوسمة، " ومَن يرد الله به خيراً يُصِبْ
مِنْه " فلا يصبك قلق من مرض، أو موت قريب، أو خسارة مالية، أو احتراق
بيت، فإن الباري قد قدَّر، والقضاء قد حلَّ، والاختيار هكذا، والخيرة لله،
والأجر حصل، والذنب غُفر هنيئاً لأهل المصائب صبرهم ورضاهم عن الآخِذ
المعطي القابض الباسط { لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} .
ولن تهدأ أعصابك، وتسكن بلابل نفسك، وتذهب وساوس صدرك, حتى تؤمن بالقضاء
والقدر، جف القلم بما أنت لاقٍ، فلا تذهب نفسك حسرات، لا تظن أنه كان
بوسعك إيقاف الجدار أن ينهار، وحبس الماء أن ينسكب، ومنع الريح أن تهب،
وحفظ الزجاج أن ينكسر، هذا ليس بصحيح، على رغمي ورغمك وسوف يقع المقدور،
وينفذ القضاء، ويحل المكتوب{فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ
فَلْيَكْفُرْ} .
استسلم للقدر قبل أن تطوَّق بجيش السخط والتذمر والعويل، اعترف بالقضاء
قبل أن يدهمك سيل الندم, إذاً فليهدأ بالك إذا فعلت الأسباب، وبذلت
الحيَل، ثم وقع ما كنت تحذر، فهذا هو الذي كان ينبغي أن يقع, ولا تقل " لو
أني فعلتُ كذا لكان كذا وكذا، ولكن قل: قدَّر الله وما شاء فعل"
{ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً}
يا إنسانُ! بعد الجوع شبع، وبعد الظمأ رِي، وبعد السهر نوم، وبعد المرض
عافية، سوف يصل الغائب، ويهتدي الضال، ويُفك العاني، وينقشع الظلام{
فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ } .
بشِّر الليل بصبح صادق يطارده على رءوس الجبال ومسارب الأودية، بشِّر
المهموم بفرج مفاجئ يصل في سرعة الضوء ولمح البصر، بشِّر المنكوب بلطف خفي
وكف حانية وادعة .
إذا رأيت الصحراء تمتد وتمتد, فاعلم أن وراءها رياضاً خضراء وارفة الظلال، وإذا رأيت الحبل يشتد ويشتد فاعلم أنه سوف ينقطع .
مع الدمعة بسمة، ومع الخوف أمن، ومع الفزع سكينة، النار لا تحرق إبراهيم
الخليل؛ لأن الرعاية الربانية فتحت نافذة { بَرْداً وَسَلاماً عَلَى
إبراهِيم } .
البحر لا يغرق كليم الرحمن؛ لأن الصوت القوي الصادق نطق بـ{ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ }
المعصوم في الغار بشر صاحبه بأنه وحده جل فى علاه معنا، فنزل الأمن والفتح والسكينة.
إن عبيد ساعاتهم الراهنة, وأرقاء ظروفهم القاتمة لا يرون إلا النكد والضيق
والتَّعاسة؛ لأنهم لا ينظرون إلا إلى جدار الغرفة وباب الدار فحسب، ألا
فليمدوا أبصارهم وراء الحُجب، ألا فليطلقوا أعنة أفكارهم إلى ما وراء
الأسوار .
إذاً فلا تضِقْ ذرعاً فمن المحال دوام الحال، وأفضل العبادة انتظار الفرج،
الأيام دُوَل، والدهر قُلّب، والليالي حُبالَى، والغيب مستور، والحكيم كل
يوم هو في شأن، ولعل الله يحدث بعد ذلك أمراً, وإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ
يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً .
{ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ }
من الذي يفزع إليه المكروب, ومن الذي يستغيث به المنكوب, وتصمد إليه الكائنات, وتسأله المخلوقات, وتلهج بذكرة الألسن وتألهُهُ القلوب
إنه الله الذي لا إله إلا هو.
وحقٌ عليَّ وعليك أن ندعوه في الشدة والرخاء، والسراء والضراء، ونفزع إليه
في الملمَّات، ونتوسلّ إليه في الكربات، وننطرح على عتبات بابه سائلين
باكين ضارعين منيبين، حينها يأتي مدده، ويصل عونه، ويسرع فرجه، ويحل فتحه{
أمَّن يُجِيبُ المُضطَرَّ إذا دَعَاهُ }، فينجي الغريق، ويرد الغائب،
ويعافى المبتلى، وينصر المظلوم، ويهدي الضال، ويشفي المريض، ويفرّج عن
المكروب{ فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ } .
ولن أسرد عليك هنا أدعية إزالة الهم والحزن والغم والحزن والكرب, ولكن
أُحيلك إلى كتب السنة لتتعلم شريف الخطاب معه, فتناجيه وتناديه وتدعوه
وترجوه, فإن وجدته وجدت كل شيء، وإن فقدت الإيمان به فقدت كل شيء، إن
دعاءك ربك عبادة أخرى، وطاعة عظمى ثانية فوق حصول المطلوب، وإن عبداً يجيد
فن الدعاء حري أن لا يهتم ولا يغتم ولا يقلق, كل الحبال تتصرّم إلا حبله،
كل الأبواب توصد إلا بابه، وهو قريب سميع مجيب, يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ
إِذَا دَعَاهُ. يأمرك- وأنت الفقير الضعيف المحتاج، وهو الغني القوي
الواحد الماجد- بأن تدعوه{ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ }إذا نزلت بك
النوازل، وألمت بك الخطوب، فالهج بذكره، واهتف باسمه، واطلب مدده، واسأله
فتحه ونصره، مَرِّغ الجبين لتقديس اسمه لتحصل على تاج الحريِّة، وأرغم
الأنف في طين عبوديته لتحوز وسام النجاة، مد يديك، ارفع كفيك، أطلق لسانك،
أكثر من طلبه، بالغ في سؤاله، ألحَّ عليه، الزم بابه، انتظر لطفه، ترقب
فتحه، اشدُ باسمه، أحسن الظن فيه، انقطع إليه، تبتل إليه تبتيلاً حتى تسعد
وتفلح .
العوض من الله
لا يسلبك الله شيئاً إلا عوضك خيراًمنه إذا صبرت واحتسبت" من أخذت حبيبتيه
فصبر عوَّضته منهما الجنة " يعنى عينيه " من سلبت صفيه من أهل الدنيا ثم
احتسب عوضته من الجنة " من فقد ابنه وصبر بُنيَ له بيت الحمد فى الخلد,
وقس على هذا المنوال فإن هذا مجرد مثال .
فلا تأسف على مصيبة, فإن الذي قدّرها عنده جنة وثواب وعوض وأجر عظيم .
إن أولياء الله المصابين المبتلين ينوّه بهم فى الفردوس: { سَلامٌ عَلَيكُم بِمَا صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبَى الدَّارِ } .
وحقٌ علينا ان ننظر فى عوض المصيبة وثوابها وخلفها الخير{ أُولَئِكَ
عَلَيهِم صَلَوَاتٌ مِّن رَّبهِم وَرَحمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ المُهتَدُونَ
}هنيئاً للمصابين, بشرى للمنكوبين .
إن عمر الدنيا قصير وكنزها حقير, والآخرة خير وأبقى فمن أصيب هنا كوفئ
هناك, ومن تعب هنا ارتاح هناك, أما المتعلقون بالدُّنيا, العاشقون لها,
الراكنون إليها, فأشد ما على قلوبهم فوت حظوظهم منها, وتنغيص راحتهم فيها:
لأنهم يريدونها وحدها فلذلك تعظم عليهم المصائب, وتكبر عندهم النكبات
لأنهم ينظرون تحت أقدامهم فلا يرون إلا الدُّنيا الفانية الزهيدة الرخيصة .
أيها المصابون ما فات شئ وأنتم الرابحون, فقد بعث لكم برسالة بين أسطرها
لطف وعطف وثواب وحسن اختيار, إن على المصاب الذى ضرب عليه سرادق المصيبة
أن ينظر ليرى أن النتيجة { فَضُرِبَ بَينَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ
بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ العَذَابُ }وما عند
الله خير وأبقى وأهنأ وأمرأ وأجل وأعلى .
{ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }
الصدق حبيب الله، والصراحة صابون القلوب، والتجربة برهان، والرائد لا يكذب
أهله، ولم يوجد عمل أشرح للصدر وأعظم للأجر كالذكر{ فَاذْكُرُونِي
أَذْكُرْكُمْ }وذكره سبحانه جنته في أرضه، من لم يدخلها لم يدخل جنة
الآخرة، وهو إنقاذ للنفس من أوصابها وأتعابها واضطرابهابل هو طريق ميسر
مختصر إلى كل فوز وفلاح، طالع د
ين الوحي لترى فوائد الذكر، وجرب مع
الأيام بلسمه لتنال الشفاء .
بذكره سبحانه تنقشع سحب الخوف والفزع والهم والحزن، بذكره تزاح جبال الكرب والغم والأسى .
ولا عجب أن يرتاح الذاكرون، فهذا هو الأصل الأصيل؛ لكن العجب العجاب كيف
يعيش الغافلون عن ذكره{ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ
أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}
يا من شكى الأرق، وبكى من الألم، وتفجّع من الحوادث، ورمته الخطوب, هيا اهتف باسمه المقدس ,{ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً }
إنك بقدر إكثارك من ذكره ينبسط خاطرك، يهدأ قلبك، تسعد نفسك، يرتاح ضميرك؛
لأن في ذكره جل فى علاه معانى التوكل عليه, والثقة به والاعتماد عليه,
والرجوع إليه, وحسن الظن فيه, وانتظار الفرج منه، فهو قريبٌ إذا دُعِي،
سميعٌ إذا نُودِي، مجيبٌ إذا سُئل، فاضرع واخضع واخشع، وردد اسمه الطيب
المبارك على لسانك، توحيداً وثناءً ومدحاً ودعاءً وسؤالاً واستغفاراً وسوف
تجد بحوله وقوته السعادة والأمن والسرور والنور والحبور{ فَآتَاهُمُ
اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ }
اقبل الحياة كما هي
حال الدنيا منغصة اللذات, كثيرة التبعات, جاهمة المحيا, كثيرة التلوّن مزجت بالكدر, وخلطت بالنكد, وأنت منها فى كبد .
ولن تجد والداً أو زوجة, أو صديقاً, أو نبيلاً, ولا مسكناً ولا وظيفة إلا
وفيه ما يكدّر, وعنده ما يسوء أحياناً, فأطفئ حر شره ببرد خيره, لتنجو
رأساً, والجروح قصاص .
أراد الله لهذه الدنيا أن تكون جامعة للضدين والنوعين, والفريقين,
والرأيين خير وشر, صلاح وفساد, سرور وحزن, ثم يصفو الخير كله والصلاح
والسرور فى الجنة, ويجمع الشر كله والفساد والحزن فى النار.
وفى الحديث" الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالم
ومتعلم "فعش واقعك ولا تسرح مع الخيال وحلّق فى عالم المثاليات, اقبل
دنياك كما هى, وطوّع نفسك لمعايشتها ومواطنتها, فسوف لا يصفو لك فيها
صاحب, ولا يكمل لك فيها أمر, لأن الصفو والكمال والتمام ليس من شأنها ولا
من صفاتها .
فينبغى أن نسدد ونقارب, ونعفو ونصفح ونأخذ ما تيسَّر, ونذر ما تعسَّر ونغض الطرف أحيانا, ونسدد الخطى, ونتغافل عن أمور .
تَعَزَّ بأهل البلاء
تلفت يمنة ويسرة، فهل ترى إلا مبتلى؟ وهل تشاهد إلا منكوباً في كل دار نائحة، وعلى كل خد دمع، وفي كل وادٍ بنو سعد .
كم من المصائب, وكم من الصابرين, فلستَ أنت وحدك المصاب، بل مصابك أنت
بالنسبة لغيرك قليل، كم من مريض على سريره من أعوام يتقلب ذات اليمين وذات
الشمال، يئن من الألم، يصيح من السقم .
كم من محبوس مرت به سنوات ما رأى الشمس بعينه، وما عرف غير زنزانته .
كم من رجل وامرأة فقدا فلذات أكبادهما في ميعة الشباب وريعان العمر .
كم من مكروب ومدين ومصاب ومنكوب .
آن لك أن تتعزّ بهؤلاء وأن تعلم علم اليقين أن هذه الحياة سجنٌ للمؤمن،
ودار للأحزان والنكبات، تصبح القصور حافلة بأهلها وتمسي خاوية على عروشها،
بينما الشمل مجتمع، والأبدان في عافية، والأموال وافرة، والأولاد كُثْر،
ثم ما هي إلا أيام فإذا الفقر والموت والفراق والأمراض{وَتَبَيَّنَ لَكُمْ
كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ }
فعليك أن توطن نفسك كتوطين الجمل المحنك الذي يبرك على الصخرة، وعليك أن
توازن مصابك بمن حولك وبمن سبقك في مسيرة الدهر، ليظهر لك أنك معافى
بالنسبة لهؤلاء، وأنه لم يأتك إلا وخزات سهلة، فاحمد الله على لطفه،
واشكره على ما أبقى، واحتسب ما أخذ، وتَعَزَّ بمن حولك .
ولك في الرسول صلى الله عليه وسلم قدوة، وُضِعّ السلى على رأسه، وأُدمِيّت
قدماه، وشُجَّ وجهُه، وحُوصِر فيالشعب حتى أكل ورق الشجر، وطُرِد منمكه،
وكُسِرَت ثنيته، ورُمِي في عِرض زوجته الشريف، وقُتِل سبعون من أصحابه،
وفَقَد ابنه، أكثر بناته فى حياته, ورَبَطَ الحجر على بطنه من الجوع،
واتُّهِم بأنه ساحر كاهن مجنون كاذب, صانه الله من ذلك، وهذا بلاء لا بد
منه، وتمحيص لا أعظم منه, وقد قُتِل قبل ذلك زكريا، وذُبح يحيى، وهُجِر
موسى، ووُضع الخليل في النار، وسار الأئمة على هذا الطريق، فضُرِّجَعمر ،
واغتيلعثمان وطُعنعلي ، وجُلدت ظهور الأئمة، وسُجن الأخيار، ونُكِّل
بالأبرار { أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا
يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ
الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ
وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ
اللَّهِ قَرِيبٌ } .
الصلاة!! الصلاة
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ }
إذا داهمك الخوف، وطوَّقك الحزن، وأخذ الهم بتلابيبك، فقم حالاً إلى
الصلاة، تَثُب لك روحك، وتطمئن نفسك، إن الصلاة كفيلة - بإذن الله -
باجتياح مستعمرات الأحزان والغموم ومطاردة فلول الاكتئاب .
كان صلى الله عليه وسلم إذا حزَبَه أمرٌ قال:" أرحنا بالصلاة يابلال " فكانت قرة عينه، وسعادته وبهجته.
وقد طالعتُ سِيَر أقوام أفذاذ كانت إذا ضاقت بهم الضوائق، وكشرت في وجوههم
الخطوب، فزعوا إلى صلاة خاشعة، فتعود لهم قواهم وإرادتهم وهممهم .
إن صلاة الخوف فرضت لتؤدَّى في ساعة الرعب، يوم تتطاير الجماجم وتسيل النفوس على شفرات السيوف، فإذا الثبات وأجل سكينة صلاة خاشعة .
إن على الجيل الذي عصفت به الأمراض النفسية أن يتعرّف على المسجد، وأن
يمرِّغ جبينه ليرضي ربِّه أولاً، ولينقذ نفسه من هذا العذاب الواصب، وإلا
فإن الدمع سوف يحرق جفنه، والحزن سوف يحطم أعصابه، وليس لديه طاقة تمده
بالسكينة والأمن إلا الصلاة .
من أعظم النعم - لو كنا نعقل - هذه الصلوات الخمس كل يوم وليلة، كفارة
لذنوبنا، ورفع لدرجاتنا عند ربنا، ثم هى علاج عظيم لمآسينا, ودواءٌ ناجع
لأمراضنا، تسكب في ضمائرنا مقادير زاكية من اليقين، تملأ جوانحنا
بالرِّضا، أما أولئك الذين جانَبوا المسجد وتركوا الصلاة، فمن نكد إلى
نكد، ومن حزن إلى حزن، ومن شقاء إلى شقاء{فَتَعْساً لَّهُمْ وَأَضَلَّ
أَعْمَالَهُمْ } .
{ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }
تفويض الأمر إلى الله، والتوكل عليه، والثقة بوعده، والرضا بصنيعه، وحسن
الظن به، وانتظار الفرج منه مِن أعظم ثمرات الإيمان، ومِن أجَلِّ صفات
المؤمنين، وحينما يطمئن العبد إلى حسن العاقبة، ويعتمد على ربِّه في كلِّ
شأنه يجد الرعاية والولاية والكفاية والتأييد والنصرة .
لَمَّا أُلقي إبراهيم عليه السلام في النار قال: حسبنا الله ونعم الوكيل،
فجعلها الله عليه برداً وسلاماً, ورسولنا صلى الله عليه وسلم وأصحابه لما
هدّدوا بجيوش الكفار, وكتائب الوثنية قالوا{ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ
الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ
يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ
عَظِيمٍ }
إن الإنسان وحده لا يستطيع أن يصارع الأحداث، ولا يقاوم الملمَّات، ولا
ينازل الخطوب؛ لأنه خلق ضعيفاً عاجزاً؛ إلا حينما يتوكل على ربِّه، ويثق
بمولاه، ويفوِّض الأمر إليه، وإلا فما حيلة هذا العبد الفقير الحقير إذا
أحتوشته المصائب, وأحاطات به النكبات{ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ
كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }
فيا من أراد أن ينصح نفسه: توكل على القوي الغني ذي القوة المتين؛ لينقذك
من الويلات، ويخرجك من الكربات، واجعل شعارك ودثاركحسبنا الله ونعم
الوكيل, فإن قلَّ مالك، وكثر دَينُك، وجفت مواردك، وشحّت مصادرك، فناد
حسبنا الله ونعم الوكيل .
وإذا خفت من عدو، أو رعبت من ظالم، أو فزعت من خطب فاهتفحسبنا الله ونعم الوكيل.
{ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً } .
فَصَبْرٌ جَمِيلٌ
التحلي بالصبر من شيم الأفذاذ الذين يتلقون المكاره برحابة صدر، وبقوة إرادة، وبمناعة أبيِّة، وإن لم أصبر أنا وأنت فماذا نصنع؟!
هل عندك حل لنا غير الصبر؟! هل تعلم لنا زاداً غيره؟
كان أحد العظماء مسرحاً تركض فيه المصائب، وميداناً تتسابق فيه النكبات،
كلما خرج من كربة زارته كربة أخرى، وهو متترس بالصبر، متدرّع بالثقة بالله
.
اصبر وما صبرك إلا بالله, اصبر صبر واثق بالفرج, عالم بحسن المصير, طالب
للأجر, راغب فى تكفير السيئات, اصبر مهما ادلهمّت الخطوب, وأظلمت أمامك
الدروب, فإن النصر مع الصبر, وإن الفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا .
ا
لا تحزن: لأنك جرّبتَ الحزنَ بالأمس فما نفعك شيئاً, رسب ابنُك فحزنتَ فهل
نجح؟! مات والدك فحزنتَ فهل عاد حيَّا؟! خسرتَ تجارتك فحزنتَ, فهل عادت
الخسائر أرباحاً؟!
لا تحزن:لأنك حزنتَ من المصيبة فصارت مصائب, وحزنتَ من الفقر فازددتَ
نكداً, وحزنتَ من كلام أعدائك فأعنتهم عليك, وحزنتَ من توقعُّ مكروه فما
وقع .
لا تحزن:لأن الحزن يُريك الماء الزلال علقماً, والوردة حنظلة, والحديقة صحراء قاحلة, والحياة سجناً لا يطاق .
لا تحزن:وأنت عندك عينان وأذنان وشفتان, ويدان ورجلان ولسان, وجنان وأمن
وأمان, وعافية فى الابدان:{ فبأىِّ ألاءِ رَبِّكُمَا تُكذِّبَان }
لا تحزن:ولك دِين تعتقده, وبيتٌ تسكنه, وخبزٌ تأكله, وماء تشربه, وثوبٌ تلبسه وزوجة تأوي إليها, فلماذا تحزن؟!
لا تحزن:إن كنت فقيراً فغيرُك محبوس فى دَين, وإن كنتَ لا تملك وسيلة نقل,
فسواك مبتور القدمين, وإن كنت تشكو من آلام فالآخرون يرقدون على الأسِرَّة
البيضاء ومنذ سنوات, وإن فقدتَ ولداً فسواك فقد عدداً من الأولاد فى حادث
واحد .
لا تحزن:لأنك مسلم آمنت بالله وبرسله وملائكته واليوم الآخر وبالقضاء خيره
وشرِّه وأولئك كفروا بالربِّ وكذَّبوا الرسل واختلفوا فى الكتاب, وجحدوا
اليوم الآخر, وألحدوا فى القضاء والقدر .
لا تحزن:إن أذنبت فتُب, وإن أسأتَ فاستغفر, وإن أخطأت فأصلِح, فالرحمة واسعة والباب مفتوح, والغفران جمُّ, والتوبة مقبولة .
لا تحزن:لأنك تُقلق أعصابَك, وتهزُّ كيانك وتُتعبُ قلبك, وتُقضّ مضجعك, وتسهر ليلك .
لا تحزن:لأن القضاء مفروغٌ منه, والمقدور واقع, والأقلام جفَّت, والصحف
طُويت, وكلُّ أمرٍ مستقر, فحزنك لا يقدِّم فى الواقع شيئاً ولا يؤخِّر ولا
يزيد ولا يُنقِص .
لا تحزن:لأنك بحزنك تريد إيقاف الزمن, وحبسَ الشمس, وإعادة عقارب الساعة, والمشيَ إلى الخلف, وردَّ النهر إلى منبعه .
لا تحزن:لأن الحزن كالريح الهوجاء تُفسد الهواء, وتُبعثر الماء, وتغيِّر السماء, وتكسر الورود اليانعة فى الحديقة الغناء .
لا تحزن:لأن المحزون كنهر الأحمق, ينحدر من البحر ويصبُّ فى البحر, وكالتى
نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً, وكالنافخ فى قربة مثقوبة, والكاتب بإصبعه
على الماء .
لا تحزن:فإن عمرك الحقيقى سعادتك وراحة بالك, فلا تُنفق أيامك فى الحزن,
وتبذِّر لياليك فى الهمِّ, وتوزِّع ساعاتك على الغموم, ولا تسرف فى إضاعة
حياتك, فإن الله لا يحبُّ المسرفين .
لا تحزن: فإن عقاقير الأطباء, ودواء الصيادلة, ووصفة الطبيب لا تسعدك, وقد
أسكنتَ الحزنَ قلبَكَ, وفرشتَ له عينَك, وبسطتَ له جوانحك, وألحفتَه جلدَك
.
لا تحزن: وأنت تملك الدعاء, وتُجيد الانطراح على عَتَبات الربوبية, وتُحسن
المسكنة على أبواب ملك الملوك, ومعك الثلث الأخير من الليل, ولديك ساعة
تمريغ الجبين فى السجود .
لا تحزن وأكثِر من الاستغفار فإن ربَّك غفَّار :
{ فقُلتُ استَغفِرُوا رَبَّكُم إنَّهُ كانَ غَفَّاراً * يُرسِلِ
السَّمَاءَ عَلَيكُم مدرَاراً * ويُمدِدكُم بِأموَالٍ وَبَنِينَ وَيَجعَل
لَّكُم جَنَّاتٍ وَيَجعَل لَّكُم أَنهَاراً } .
فأكثر من الاستغفار, لترى الفرج وراحة البال, والرزق الحلال, والذرية الصالحة, والغيث الغزير .
{ وأَنِ استغفِرُوا رَبَكُم ثُمَّ تُوبُوا إليهِ يُمَتِّعكُم مَّتَاعاً
حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤتِ كُلَّ ذِى فَضلٍ فَضلَهُ } .
وفى الحديث: " من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كلِّ همٍّ فرجاً, ومن كل ضيق مخرجاً " .
وعليك بسيّد الاستغفار, الحديث الذى فى البخاري:" اللهم أنت ربي لا إله
إلا أنت, خلقتني وأنا عبدك, وأنا على عهدك ووعدك ما استطعتُ, أعوذ بك من
شرِّ ما صنعتُ, أبوءُ لك بنعمتك علىَّ, وأبوء بذنبي فاغفر لي, فإنه لا
يغفر الذنوب إلا أنت " .
لا تحزن وعليك بذكر الله دائماً:
قال سبحانه:{ أَلاَ بِذِكرِ اللهِ تَطمَئِنُّ القُلُوبُ } . وقال:{
فَاذكُرُوني أذكُركُم } وقال سبحانه:{ وَالذَّاكِرِينَ اللهَ كَثِيراً
وَالذَّاكِرَاتِ } . وقال سبحانه:{ يَا أيُّهَا الّذِينَ آمنُوا اذكُرُوا
اللهَ ذِكراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكرَةً وَأصِيلاً } . وقال
سبحانه:{ يَا أيُّهَا الذينَ آمنُوا لا تُلهِكُم أَموَالُكُم وَلاَ
أَولادُكُم عَن ذِكرِ اللهِ } .
وقال سبحانه:{ وَاذكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ } . وقال سبحانه:{ وَسَبِّح
بِحَمدِ رَبَّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ الَّيلِ فَسَبِّحهُ وَإِدبَارَ
النُّجُومِ }
وقال سبحانه:{ يَا أََيُهَا الَّذِينَ آمنُوا إِذَا لَقِيتُم فِئةً فاثبُتُوا واذكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَّعلَّكُم تُفلِحُونَ } .
وفى الحديث الصحيح:" مَثَلُ الذي يذكُر ربَّه والذى لا يذكر ربَّه, مَثَلُ الحي والميت "
وقوله صلى الله عليه وسلم:" سبق المفرِّدون , قالوا: ما المفرِّدون يا رسول الله؟ قال: الذاكرون الله كثيراً والذاكرات " .
وفى حديث صحيح:" ألا أخبركم بأفضل أعمالكم, وأزكاها عند مليككم, وخير لكم
من إنفاق الذهب والوَرق, وخير لكم من أن تلقوا عدوَّكم فتضربوا أعناقهم
ويضربوا أعناقكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله, قال: ذكرُ الله "
وفى حديث صحيح: أن رجلاً أتى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول
الله, إنَّ شرائع الاسلام قد كثُرت عليَّ, وأنا كبرت فأخبرنى بشئ أتشبَّث
به, قال: لا يزال لسانك رطباً بذكر الله " .
لا تحزن , ولا تيأس من رَوح الله:
{ إِنَّهُ لا ييأسُ مِن رَّوحِ اللهِ إلاَّ القومُ الكَافرُونَ }
{ حَتى إذَا استَيأسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أنَّهُم قَد كُذبُوا جاءهُم نَصرُنَا }
{ وَنَجَّينَاهُ مِنَ الغَمِّ وَكَذلِكَ نُنجِى المُؤمِنِينَ }
وقال عن المسلمين:{ وَتَظُنُّونَ بِالله الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابتُلِيَ المُؤمِنُونَ وَزُلزِلُوا زِلزَالاً شَدِيداً }
لا تحزن من أذَّيةِ الآخرين لك, وأعف عمَّن أساء إليك:
ثمنُ القصاص الباهظ, وهو الذي يدفعه المنتقمُ من الناس, الحاقد عليهم:
يدفعُه من قلبه, ومن لحمه ودمه, من أعصابه ومن راحته, وسعادته وسروره, إذا
أراد أن يتشفَّى, أو غضب عليهم أو حقد, إنه الخاسر بلا شك .
وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى بدواء ذلك وعلاجه, فقال:{ والكَاظِمِينَ الغَيظَ والعَافِينَ عَنِ النَّاسِ } .
وقال:{ خُذِ العَفوَ وَأمُر بالعُرفِ وَأَعرِض عَنِِ الجَاهِلِينَ } .
وقال: { ادفَع بِالَّتِي هِيَ أَحسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَينَكَ وَبَينَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌ حَمِيمٌ } .
لا تحزن على شئ لا يستحقُّ الحزن:
إن مما يثبت السعادة وينمِّيها ويعمقها: أن لا تهتم بتوافه الأمور, فصاحب الهمة العالية همُّه الآخرة .
لا تحزن واطردِ الهمَّ:
راحة المؤمن غفلة, والفراغ قاتل, والعطالة بطالة, وأكثر الناس هموماً
وغموماً وكدراً العاطلون الفارغون, والأراجيفُ والهواجسُ رأس مال
المفاليسِ من العمل الجادِّ المثمر .
فتحرَّك واعمل, وزاول وطالع, واتلُ وسبِّح, واكتب وزُر, واستفد من وقتك,
ولا تجعل دقيقة للفراغ, إنك يوم تفرغ يدخل عليك الهمُّ والغمُّ, والهاجس
والوساوس, وتصبح ميداناً لألاعيب الشيطان .
لا تحزن ممَّن جحد إحسانَك, وكفَر معروفك,
فأنت تريد الثواب من الله:
اجعل عملكَ خالصاً لوجه الله, ولا تنتظر شكراً من أحد, ولا تهتم ولا تغتم
إذا أحسنتَ لأحد من الناس, ووجدتَه لئيماً, لا يقدِّر هذه اليدَ البيضاء,
ولا الحسنة التى أسديتَها إليه, فاطلب أجرك من الله .
يقول سبحانه عن أوليائه:{ يَبتَغُونَ فَضلاً مِّنَ اللهِ ورَضوَاناً }
وقال سبحانه عن أنبيائه: { وَمَا أَسألُكُم عَلَيهِ مِن أجرٍ } , { قُل
مَا سألتُكُم مِّن أَجرٍ فَهُوَ لَكُم } , { وَمَا لأَحَدٍ عِندَهُ مِن
نِّعمَةٍ تُجزَى } , { إنَّمَا نُطعِمكُم لِوَجهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنكُم
جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً }
فعاملِ الواحدَ الأحدَ وحدَه فهو الذي يُثيب ويعطى ويمنح, ويعاقب ويحاسب, ويرضى ويغضب, سبحانه وتعالى .
قُتل شهداءُ بقندهار, فقال عمر للصحابة: من القتلى؟ فذكروا له الأسماء
فقالوا: وأُناس لا تعرفهم, فدمعَت عينا عمر,وقال: ولكنَّ الله يعلمهم .
وأطعم أحد الصالحين رجلاً أعمى فالَوذَجاً ( من أفخر الأكلات ) , فقال أهله: هذا الأعمى لا يدرى ماذا يأكل! فقال:لكن الله يدري !
ما دام أنَّ الله مُطَّلِعٌ عليك ويعلم ما قدَّمتَه من خير, وما عملتَه من بر, وما أسديته من فضل, فما عليك من الناس .
لا تحزن من لوم اللائمين وعذل العُذَّال:
يقول سبحانه وتعالى:{ لَن يَضُّروكُم إِلاَ أَذىً } , { وَلاَ تَكُ فِي
ضَيقٍٍ مِّمَّا يَمكُرُونَ } , { وَدَع أَذَاهُم وَتَوَكَّل عَلَى اللهِ
وَكَفَى بِاللهِ وَكِيلاً } , { فَبرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا } .
وفى حديث حسن أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:" لا تبلِّغوني عن أصحابي سوءاً , فإنى أحبُّ أن أخرج إليكم وأنا سليمُ الصدر " .
لا تحزن ممَّا يُتَوَقَّع:
وُجد فى التوراة مكتوباً: أكثر ما يُخاف لا يكون !
ومعناه: أن كثيراً مما يتخوَّفه الناس لا يقع, فإن الأوهام فى الأذهان, أكثر من الحوادث فى الأعيان .
وقال آخر: وقلت لقلبى إن نزا بك نزوةٌ **** مِنَ الهمَّ افرح أكثرُ الروعِ باطلُه
أي: إذا جاءك حدَث, وسمعتَ بمصيبة, فتمهَّل وتأنَّ ولا تحزن, فإن كثيراً
من الأخبار والتوقُّعات لا صحَّة لها, إذا كان هناك صارف للقدر فيُبحث
عنه, وإذا لم يكن فأين يكون؟!
{ وَأُفَوِّضُ أَمرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ * فَوقَاهُ اللهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا }
لا تحزن من نقد أهل الباطل والحُسَّاد:
فإنك مأجور من نقدهم وحسدهم على صبرك, ثم إنَّ نقدهم يسَاوي قيمتك ثمَّ إن الناس لا ترفس كلباً ميتاً, والتافهين لا حُسَّاد لهم .
سأل موسى ربَّه أن يكفَّ ألسنة الناس عنه, فقال الله عز وجل:" يا موسى, ما
اتخذت ذلك لنفسى, إنى أخلقهم وأرزقهم, وإنهم يسبُّونى ويشتموننى "!!
وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"يقول الله عز وجل, يسبُّني ابن
آدم, ويشتمني ابن ادم, وما ينبغى له ذلك, أما سبُّه إياي, فإنه يسبُّ
الدهر, وأنا الدهر, أقلِّب الليل والنهار كيف أشاء, وأما شتمُه إياي,
فيقول إنَّ لى صاحبة وولداً, وليس لى صاحبة ولا ولد " .
إنك لن تستطع أن تعتقل ألسنة البشر عن فََري عِرضك, ولكنك تستطيع أن تفعل الخير, وتجتنب كلامهم ونقدهم .
ومن الفوائد والتجارب: لا ترد على كلمة جارحةٍ فيك, أو مقولة أو قصيدة,
فإن الاحتمالَ دفنُ المعايب, والحلمَ عزُّ, والصمتَ يقهر الأعداء, والعفو
مثوبةٌ وشرف, ونصف الذين يقرؤون الشتم فيك نَسوه, والنصف الآخر ما قرؤوه,
وغيرهم لا يدرون ما السبب وما القضية! فلا تُرسِّخ ذلك أنت وتعمقه بالردِّ
على ما قيل .
يقول أحد الحكماء:الناس مشغولون عني وعنك بنقص خبزهم, وإنَّ ظمأ أحدِهم يُنسيهم موتي وموتك .
لا تحزن: فإن المرض يزول, والمصاب يحول, والذنب يُغفر, والدين يُقضى, والمحبوس يُفكُّ, والغائب يَقدم, والعاصى يتوب, والفقر يغتنى .
لا تحزن: فقد حار الأطباء, وعجز الحكماء, ووقف العلماء, وتساءل الشعراء,
وبارت الحيل أمام نفاذ القدرة, ووقوع القضاء, وحتمية المقدور .
لا تحزن إذا صكَّت أذنَـكَ كلمةٌ نابية:
يقول أحد علماء العصر: إن على أهل الحساسية المرهفة من النقد أن يسكبوا فى أعصابهم مقادير من البرود أمام النقد الظالم الجائر .
لا تحزن: فإن الله يدافع عنك, والملائكة تستغفر لك, والمؤمنون يشركونك فى
دعائهم كلََّ صلاة, والنبي صلى الله عليه وسلم يشفع, والقرآن يعِدُك وعداً
حسناً, وفوق هذا رحمةُ أرحم الراحمين .
لا تحزن: فإن الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضِعف إلى أضعاف كثيرة,
والسيئة بمثلها إلا أن يعفو ربّك ويتجاوز, فكم لله مِن كرَمٍ ما سُمع
مثله! ومن وجودٍ لا يقاربه وجُود!
لا تحزن: فأنت من روَّاد التوحيد وحَملة الملَّة وأهل القبلة, وعندك أصلُ
حبِّ الله وحبِّ رسوله صلى الله عليه وسلم, وتندم إذا أذنبتَ, وتفرح إذا
أحسنتَ, فعندك خير وأنت لا تدرى .
لا تحزن: فأنت على خيرٍ فى ضرائك وسرائك, وغناك وفقرك, وشدَّتك ورخائك, "
عجباً لأمر المؤمن إن أمره كلَّه له خير!! وليس ذلك إلا للمؤمن, إن أصابته
سرَّاء فشكر كان خيراً له, وإن أصابته ضرَّاء فصبر كان خيراً له " .
لا تحزن فإن الصبرَ على المكاره وتحمُّلَ الشدائد طريقُ الفوز والنجاح والسعاده:
{ وَاصبِر وَمَا صَبرُكَ إلاَّ بِالله } , { فَصَبرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ
المُستَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ } , { فَاصبِر صَبراً جَمِيلاً } , {
سَلامٌ عَلَيكُم بِمَا صَبَرتُم } , { وَاصبِر عَلَى مَا أَصَابَكَ } , {
اصبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا } .
قال عمر رضى الله عنه: " بالصبر أدركنا حسن العيش " .
لأهل السنة عند المصائب ثلاثة فنون:الصبر , والدُّعاء , وانتظار الفرج .
وقال صلى الله عليه وسلم:" من يتصبَّر يُصبِّره الله " .
لا تحزن, فإن هناك أسباباً تُسهِّل المُصائب على المُصَاب, منها:
1- انتظار الأجر والمثوبة من عند الله عز وجل:
{ إِنَّمَا يُوفَّى الصَّابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ } .
2- رؤية المصابين: فالتفِت يمنة والتفت يسرة, هل ترى إلا مصاباً أو ممتحناً؟ وكما قيل: في كلِّ وادٍ بنو سعد .
3- وأنها أسهل من غيرها .
4- وأنها ليست فى دِين العبد, وإنما فى دنياه .
5- وأن العبودية فى التسليم عند المكاره أعظم منها أحياناً فى المحابِّ .
6- وأنه لا حيلة .
7- وأن الخيرة لله ربِّ العالمين:
{ وَعَسَى أن تَكرَهُوا شَيئاً وَهُوَ خَيرٌ لَّكُم } .
لا تحزن من الشدائد:
فإنَّ الشدائد تقوِّى القلب, وتمحو الذنب, وتقصم العُجب, وتنسف الكِبر,
وهى ذوبان للغفلة, وإشعال للتذكُّر, وجلبُ عطف المخلوقين, ودعاءٌ من
الصالحين, وخضوع للجبروت, واستسلام للواحد القهار, وزجرٌ حاضر, ونذير
مقدم, وإحياء للذكرِ, وتضرعٌ بالصبر, واحتساب للغصص, وتهيئة للقدوم على
المولى, وإزعاج عن الركون إلى الدنيا والرضا بها والاطمئنان إليها, وما
خفى من اللطف أعظم, وما سُتِرَ من الذنب أكبر, وما عُفى من الخطأ أجلُّ
.
لا تحزن:
لأن الحزن يضعفك فى العبادة, ويعطِّلك عن الجهاد , ويُورثك الإحباط, ويدعوك إلى سوء الظن, ويُوقعك فى التشاؤم .
لا تحزن:
فإنَّ الحزن والقلق أساس الأمراض النفسية, ومصدر الألام العصبية, ومادة الانهيار والوسواس والاضطراب .
لا تحزن:
ومعك القرآن, والذكر, والدعاء, والصلاة, والصدقة, وفعل المعروف, والعمل النافع المثمِر .
لا تحزن:
ولا تستسلم للحزن عن طريق الفراغ والعطالة, صلِّ .. سبِّح .. اقرأ .. اكتب .. اعمل .. استقبل .. زُر .. تأمَّل .
{ ادعُونِى أَستَجِب لَكُم }
, { ادعُوا رَبَّكُم تَضَرُّعاً وَخُفيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ
المُعتَدِينَ } , { فادعُوا اللهَ مُخلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } , { قُلِ
ادعُوا الرَّحمَنَ أيَّا مَّا تَدعُوا فَلَهُ الأسمَاءَ الحُسنَى } .
لا تحزن واقرأ هذه القواعد فى السعادة:
1- اعلم أنك إذا لم تعش فى حدود يومك تشتَّتَ ذهنُك, واضطربت عليك أمورك, وكثرت همومك وغمومك, وهذا معنى:
" إذا أصبحت فى تنتظر المساء, وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح " .
2- انسَ الماضى بما فيه, فالاهتمام بما مضى وانتهى حمقٌ وجنون .
3- لا تشتغل بالمستقبل, فهو فى عالم الغيب, ودعِ التفكر فيه حتى يأتى .
4- لا تهتزَّ من النقد, واثبت, واعلم أن النقد يساوى قيمتك .
5- الإيمان بالله , والعمل الصالح هو الحياة الطيبة السعيدة .
6- من أراد الاطمئنان والهدوء والراحة, فعليه بذكر الله تعالى .
7- على العبد أن يعلم أن كل شئ بقضاء وقدَر .
8- لا تنتظر شكراً من أحد .
9- وطِّن نفسك على تلقِّي أسوأََ الفروض .
10- لعلَّ فيما حصل خيراً لك .
11- كلُّ قضاء للمسلم خير له .
12- فكِّر فى النعم وأشكر .
13- أنت بما عندك فوق كثير من الناس .
14- من ساعة إلى ساعة فرج .
15- بالبلاء يُستخرج الدعاء .
16- المصائب مراهم للبصائر وقَّوة للقلب .
17- إن مع العسر يسراً .
18- لا تقضِِ عليك التوافه .
19- إن رَّبك واسع المغفرة .
20- لا تغضب , لا تغضب , لا تغضب .
21- الحياة خبز وماء وظل, فلا تكترث بغير ذلك .
22-
{ وَفِي السَّمَاءِ رِزقُكُم وَمَا تُوعَدُون } .
23- أكثر ما يُخاف لا يكون .
24- لك فى المصابين أُسوة .
25- إن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم .
26- كرِّر أدعية الكرب .
27- عليك بالعمل الجادّ المثمر, واهجرِ الفراغ .
28- اتركِ الأراجيف, ولا تصدق الشائعات .
29- حقدك وحرصك على الانتقام يضرُّ بصحتك, أكثر مما يضر الخصم .
30- كل ما يصيبك فهو كفَّارة للذنوب .
ولما الحزن وعندك ستَّة أخلاط ؟
ذكَر صاحب " الفرج بعد الشدة
": أن أحد الحكماء ابتُلى بمصيبة, فدخل عليه إخوانه يعزُّنه فى المصاب,
فقال: إنى عملتُ دواءً من ستة أخلاط. قالوا: ما هى؟ قال: الخلط الأول:
الثقة بالله. والثانى: علمى بأن كل مقدور كائن. والثالث: الصبر خير ما
استعمله الممتحَنُون. والرابع: إن لم أصبر أنا فأيُّ شئ أعمل؟! ولم أكن
أُعين على نفسى بالجزع. والخامس: قد يمكن أن أكون فى شرٍّ مما أنا فيه.
والسادس: من ساعة إلى ساعة فرج .
لا تحزن إذا أُذيتَ أو شُتمتَ أو أُهِنتَ أو ظُلمتَ:
قال شيخ الإسلام: المؤمن لا يطالِب, ولا يعاتِب, ولا يضارِب .
لا تحزن إذا واجهتكَ الصعابُ وداهمتكَ المشاكل
واعترضتكَ العوائق, واصبر وتحمَّل:
إن الصبر أرفق من الجزع, وإن التحمل أشرف من الخوَر, وإن الذى لا يصبر اختياراً سوف يصبر اضطراراً .
لا تحزن فمعك إخوة ولك محبُّون يبادلونك حبَّا ومودَّة وتضامُناً:
إن الإخوة مسلاة لأحزان, قال أحدهم: لولا الوسواس ما خالطتُ الناس{
الأخِلاَءُ يَومَئِذٍ بَعضُهُم لِبَعضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المُتَّقِينَ }
لا تحزن وأنت تعلم أنك ادخرتَ بمعروفك ألسنةً تُثني عليك:
وأكفّاً ترتفع بالدعاء لك, وأفواهاً تمدحك بالخير الذى قدَّمتَه وأسديتَه
وخلَّفته, إن الثناء الحسن عمرٌ ثانٍ وولد مخلَّد, وميراث عامر, وتركة
مباركة طيبة .
لا تحزن لأن هناك مشهداً آخرَ وحياةً أخرى, ويوماً ثانياً:
يجمع الله فيه الأوَّلين والآخرين, وهذا يجعلك تطمئنُّ لعدل الله, فمن
سُلِبَ مالُه هنا وجده هناك, ومن ظُلم هنا أُنصف هناك, جار هنا عوقب هناك
!!
اقوالٌ عالمية ونُقولات من تجارب القوم
كتب " روبرت لويس ستيفنسون ": " فكل إنسان يستطع القيام بعمله مهما كان
شاقاً فى يوم واحد, وكل إنسان يستطيع العيش بسعادة حتى تغيب الشمس. وهذا
ما تعنيه الحياة " .
قال أحدهم: " ليسك لك من حياتك إلا يوم واحد, امس ذهب, وغد لم يأت ".
كتب " ستيفن ليكوك ":
" فالطفل يقول: حين أصبح صبيّاً, والصبيُّ يقول: حين أُصبح شابّاً. وحين
أُصبح شابّاً أتزوج. ولكن ماذا بعد الزواج؟ وماذا بعد كل هذه المراحل؟
تتغير الفكرة نحو: حين أكون قادراً على التقاعُد, ينظر خلفه, وتلفحه رياح
باردة, لقد فقد حياته التى ولَّت دون أن يعيش دقيقة واحدة منها, ونحن
نتعلَّم بعد فوات الأوان أن الحياة تقع فى كل دقيقة وكلِّ ساعة من يومنا
الحاضر " .
وكذلك المسوّفُون بالتوبة ..
قال أحد السلف: "
أنذرتُكم ( سوف ), فإنها كلمةٌ كم منعت من خير وأخََّرت من صلاح " .
{ ذَرهُم يَأكُلُوا وَيَتَمتَّعُوا وَيُلهِهِمُ الأمَل فَسوفَ يَعلَمُونَ } .
يقول" دانسى"
: " فكِّر إن هذا اليوم لن ينبثق ثانية " .
قلتُ: وأجمل منه وأكمل حديث:
" صلِّ صلاةَ مودِّع " .
ومن جعل فى خلده ان هذا اليوم الذى يعيش فيه آخر أيامه, جدَّد توبَته
وأحسن عمله, واجتهد فى طاعة ربه واتباع رسوله صلى الله عليه وسلم .
" إن الله إذا أحبًّ قوماً ابتلاهم, فمَن رضي فله الرضا, ومن سخط فله السخط " .
" أشدُّ الناس بلاءً الأنبياء, ثم الأمثل فالأمثل, يُبتلَى الرجل على قدر
دينه, فإن كان فى دينه صلابة اشتدَّ بلاؤه, وإن كان فى دينه رقََّّه
ابتُلى على قدر دينه, فما يبرح البلاء بالعبد, حتى يتركه يمشى على الأرض
وما عليه خطيئة ".
" عجباً لأمر المؤمن إنَّ أمره كلَّه خير!! وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن. إن
اصابته سرَّاء شكر فكان خيراً له, وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيراً له ".
" واعلم ان الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشئ لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبه
الله لك, وإن اجتمعوا على أن يضرُّوك بشئ لم يضرُّوك إلا بشئ قد كتبه الله
عليك " .
" يُبتَلَى الصالحون الأمثلَ فالأمثلَ " .
" المؤمن كالخامة من الزرع تُفيِّئها الريح يمنةً ويسرةً " .
لا تحزن فأنت مؤمن بالله:
{ بَلِ اللهُ يَمُنَُّ عَلَيكُم أن هداكُم لِلإِيمَان } .
من النعيم الذي لا يدركه إلاَّ الفطناء: نظر المسلم إلى الكافر, وتذكُر
نعمة الله فى الهداية إلى دين الإسلام, وأن الله عز وجل لم يقدَّر لك أن
تكون كهذ
رح تاخد منكم اسبوعين لقرائتها