شَيءٌ منِّي ؛ رحَلتَ ولَم تعلَمه . . !

كُنت تعلمُ عني الكَثير ،
تُدركُ جيداً أني أحبك ، بجنُون النسآء جميعهن ، وبسذآجة الفتيآت كآفة !
كُنت تعلمُ أني لآ أرضَى بحزنك ، وأن الوَجع الذي قد يسكنك ، يمُر على قلبي آيضاً ،
وأن الحَيآة فِي غيآبك أنآ لآ أحيآهآ البتة . .

كنتَ تعلمُ كَثير أشيآء ؛
لكن ثمةَ شي مني , رحَلت ولم تعلمه . . !

أنت لَم تعلم بأني أمتلكُ قَلباً لآ يَنسى ، أو على الآصح ، قلب لآ يذكُر إلآ المآضِي . .
وكُلمآ آبتعدَ المآضِي آكثر جَلبت الذآكرةُ لقلبِي تفآصيل كَثيرة , تُنهكه ، وتُودي به !

لَم تكُن تعلم بأني أمتلكُ آشيآء عصيةً على النسيآن ، آشيآء لن تفهمهآ أنت ؛
لأنك لَم تُحب كَحُبي ..
لَم تكُن تعلمُ أن تفآصيل المَقهى تعلقُ بِ الذآكرة ،
وأن رآئحة القَهوة تُصبحُ سبباً وجيهاً للتقيؤ . .
أو بِ الآصح ، لتقيُّؤ الذكريآت !

لم تكُن تعلم بأن بذلتك السودآء ، وسآعتك ، وخصلآتِ شَعرك ، ونظآرتك الشمسية ،
ومشيتك السريعة ، وميدآلية مفآتيحك ، والآزهآر المُجففة بينَ صفحآتِ دفآتري ،
وكُوب القهوة الذي آهديتهُ للذآكرة ، وروآية نجيب مَحفُوظ ، وآشعآر نزآر ، ولفآفة تبغك ،
وسيآرتك السودآء . .
لَم تعلم بأن كل ذلك سيتشبثُ بِ الذآكرة ، دُون أن تُفلته ، ولينزفَ القلبُ شَوقاً حتى يهترئ !

سأُصفقُ لك ، لأنك آستطعتَ أن تقتلنِي دُون أن تتركَ أثراً لبصمآتك عليّ . .
سَيعلمُ العآبرون أني آموت ، وأن الفآعل هُو آحدهم ، لكنهم لَن يعلمُوآ عنك شَيئاً ،
لأنه من الحُمق أن يسألوآ ميتاً عن قآتله !

" الآموآتُ يآ سيدي لآ يشُون بشيء " !

سَتعلمُ أيضاً - إن قررتَ أن تَعلم - بأن الحَيآة بعدَ رحيلك توقفت . .
كمآ يتوقف القطآر عند محطةٍ مآ ، ينزلُ الرآكبون منه ، ولآ يصعدُ إليه أحد !
يُصبحُ القطآرُ بعدَ ذلكَ مُعطلاً ، خَرباً ؛ تسكنهُ الطيُور ، وتملؤه الغربآن ، ويعشعشُ الحزنُ فِي جنبآته ،
وتمتلئ زوآيآهُ برآئحةِ الخَرآب . . ولآ يلتفتُ إليه آحد . . !
هكذآ الحَيآةُ من بعدك يآ سَيدي , مآهرةٌ فِي قَتلي جداً . .

لَم يعُد يربتُ على كَتفِي أحد ، آزدآدَ الشتآءُ برودة برغمِ تفآقُم الآحتبآسِ الحرآري !
وآزدآد الوجَع ، رغمَ زيآدة جرعتِي من المُسكنآت ، والحُزن . . . . آهٍ مآذآ أخبرك عن الحُزن . . !
صآر ضيفاً ثقيلاً ، مللتُ مجآلسته ، بآتَ مُلآصقاً ، لآ ينفكُّ عن ذكرك . .
يستحضرك بدآخلي كل ليلة ، ويُسمعني صوتك من آفوآهِ الجَميع ، ويُريني تفآصيلك بوجُوههم . .
وكأن الآربعون شبيهاً يسكنُون مدينتِي ، وتعجُّ بهم الطرقآت . . !

أتعلم , وأعلمُ أنك لآ تعلمُ شَيئاً . . !
الآغنيآتُ مُوجعة ، مسببةٌ للآرق ، حتى السآبعةِ صبآحاً ، ولم تكتحل عينآي بغمضٍ آحمق . .
آسمعُ آغنيآتِ عبد الحَليم ، آتذكرهآ . .
أتذكرُ حينَ كنت تُخبرنِي بأن الآرضَ لم يُخلق عليهآ سوى ( حليم ) وآحد ،
أتذكر عندمآ كُنت تُغني آغآنيه بصوتك ، عندمآ كنت تقرعُ الطآولة بيديك ، لتُخرجَ نغمآ يُنآسبُ صَوتك . .
أتذكرُ كَيف كُنت أصفقُ فِي آخر الآغنية ، كَيف كُنت آعآنقك ، وآخبرك بأن صَوتك بآذخ بِ الحَنآن !

" أذكُر أنك لآ تذكُر شَيئاً "

لَيتك قَبل أن تمضِي أخذت معكَ الذآكرة , لَم تكُن لتجد شَيئاً مليئاً بكَ إلى هذآ الحد كَ ( ذآكرتِي ) . .
كُنت حمقآء ، آزرعك بهآ ، وآسقيهآ بصوتك ، وآتركهآ تتعمقُ آكثر ، تمدُّ جذورهآ آكثر ، تتشبثُ بِي آكثر . .
كَي تَقتلنِي بِ النهآية آكثر . .
كَمن يُطيلُ عمر الحَريق ، ليزيد وقتَ الرمآد . .

أعلم , أنآ حَمقآء ، ولآ أحتآجُ أن تُخبرنِي بذلك ، فقَد سَمعتُ هذه الكَلمة مرآرآ منذُ غيآبك . .
آكمل غيآبك ، ودع ذآكرتِي تحتفظ بك آكثر . .
لآ بأس ، مآتَ الكَثيرون حُباً يَ سيدي . . !

اشكركي على موضوع رائع ولا تحرمينا من جديدك

الله يعطيك الف عافيةًًً
على الطرح الرائع كروعتكًًً
دمت ودام عطائكًًً
تحيآتيًًً

شَيءٌ منِّي ؛ رحَلتَ ولَم تعلَمه . . ! Aaccc29806

يعطيك العافيه غلاتي

» الْغَيّبْ شَيءٌ جَمِيلْ يَسَتحِقُ الْإنَتِظَآرْ