تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :اللغات السامية – للاستاذ الدكتور سالم الخماش
كُتب يوم 11/19/2013
فقه اللغة (3)
د. سالم سليمان الخماش
جامعة الملك عبد العزيز بجدة / كلية الآداب والعلوم الإنسانية
اللغات السامية
السامية تسمية حديثة عهد اقترحها عالم اللاهوت الألماني –النمساوي شلوتزر Scholzer عام 1781 للميلاد، لتكون علماً على عدد من الشعوب التي أنشأت في هذا الجزء من غرب آسيا حضارات ترتبط لغوياً وتاريخياً، كما ترتبط من حيث الأنساب، والتي زعم أنها انحدرت من صلب سام بن نوح، بناء على ما جاء في التوراة في صحيفة الأنساب الواردة في الإصحاح العاشر من سفر التكوين، من أن الطوفان عندما اجتاح سكان الأرض لم ينج منه سوى نوح وأولاده الثلاثة: سام وحام ويافث وما حمل معه في سفينته من كل زوجين اثنين. وقد شاعت هذه التسمية وأصبحت علماً لهذه المجموعة من الشعوب عند عدد كبير من العلماء في الغرب ومن سايرهم من العرب” على الرغم من أن هذه التسمية لا تستند إلى واقع تاريخي، أو إلى أسس علمية عرقية صحيحة، أو وجهة نظر لغوية.[1]
إن هذه الشعوب التي أطلق عليها خطأ اسم “الساميون” هي في حقيقة الأمر قبائل عربية هاجرت بفعل العوامل الطبيعية من جزيرة العرب بحثاً عن الماء والكلأ، ومنها تفرعت الأقوام الأخرى، يؤكد هذا القول ما ذهب إليه “كثير من العلماء الباحثين في أصل الأجناس والسلالات من أن العرب هم أصل العرق السامي، ومن أرومتهم تفرعت الأقوام الأخرى وتشعبت قبائلها، ولهذا الفريق شواهد تاريخية وعرقية ولغوية يدعم بها حجته ويثبت آراءه.”[2]
الموطن الأصلي للغات السامية
اختلف علماء الساميات حول الموطن الأصلي للغة السامية الأم. ومن أشهر الآراء في هذا الباب تلك التي تقول إنه:
1-أرض إرمينية وكردستان: ويعتمد أصحاب هذا الرأي على أدلة دينية ولغوية توراتية. فقد ورد في العهد القديم أن سفينة نوح رست على جبل في إرمينية وقد عاش نوح وأبناؤه في هذه المنطقة، وقد لعن حام وأبعد منها، ورحل عنها يافث، وبقي فيها سام الذي نشأ أبناؤه هناك فيها، ومن ذريته كان أرفكشد. ويزعم هؤلاء أن في هذه المنطقة إقليم يسمى أربختس، وهذا الاسم ما هو إلا تغيير أرفكشد وهو أحد أبناء سام قائلين أنّ الفاء والباء حروف شفوية والكاف والخاء حروف متقاربة المخارج، أي أن أصل أربختس هو < أربخست < أرفكشد
2- أرض بابل في العراق، أي جنوب العراق، وقد قال بهذا الرأي: إرنست رينان، ، وفرينـز هومل، وبيترز، وأغناطيوس جويدي، الذي يقول إن الكلمات المشتركة في النبات والحيوان والظواهر الجغرافية في اللغات السامية تناسب بيئة جنوب العراق وبلاد بابل. فمثلا كلمة نهر موجودة في الأكادية والعبرية والآرامية والعربية والسبئية والأثيوبية بينما بعض هذه اللغات لا يوجد أنهار بأرضها كالعربية، فالجزيرة تخلو من مثل هذه الظاهرة الجغرافية. ويتساءل من أين جاء هذا اللفظ في العربية. يقول لا جواب لهذا في رأيه إلا أن يكون العرب قد عرفوا النهر من قبل، وكان في لغتهم وبقي فيها بعد أن انتقلوا من موطنهم الأصلي. كذلك يزعم أن الجبل له كلمات مختلفة في اللغات السامية: في الآرامية طورا، وفي الأكادية شادوا، وفي العبرية صر، وفي العربية جبل، وهذا في رأيه يعود إلى أنهم لم يعرفوا هذه الظاهرة في موطنهم الأول، وعندما تفرقوا في البلاد التي فيها جبال كل منهم وضع له لفظا مختلفا عن الآخر.
ومن الانتقادات التي وجهت إلى هذا الرأي:
أ- هناك وثيقة تبين أن أحد الملوك الساميين في العراق وهو الملك سرجون الأكادي 2600 ق.م كتب عن أصله في نقش مشهور يفهم منه أنه وعشيرته قد جاءوا إلى العراق من شرقي جزيرة العرب.
ب- هناك وثائق كثيرة تدل على أن أرض العراق كانت أرضاً غير سامية في الأصل حيث كانت موطناً للسومريين وهم جنس غير سامي، ولهم عادات ولغة وملامح غير سامية.
ج- إن وجود كلمة نهر في جميع اللغات السامية مع عدم وجود نهر في بعض المناطق ليس دليلاً قويا، لأن الجزيرة العربية كانت في قديم الزمان بلادا خصبة ذات أنهار وجنان. وأما اختلافهم في كلمة جبل فلا دليل يستفاد منه لأننا نراهم اختلفوا في كلمة رجل ، وقمر ولا يستطيع أن يزعم زاعم أنهم لم يعرفوا مسمياتها إلا بعد رحيلهم من بابل.
3- أرض إفريقيا : التي قد انتقلوا منها إلى آسيا منها. وقد قال بهذا الرأي المستشرق البريطاني بارتون ونولدكه، مدللا عليه الأخير بوجود تشابه بين اللغات الحامية واللغات السامية. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: كيف اختفت اللغات السامية من أفريقيا ما عدا الحبشية القريبة من جزيرة العرب؟ إن ما يتكلم عنه نولدكه مرحلة موغلة في القدم تعود إلى ما قبل العائلة الحامية السامية. هذه الدلائل اللغوية غير واضحة والتشابه لا يعني أن الأصل لا بد أن كان في إفريقيا. لم لا يكون أصل الحاميين والساميين في جزيرة العرب ثم انتقل الحاميون إلى إفريقيا ؟
4- شمال سورية بلاد آمورو كما كانت تسمى في النقوش القديمة. ويحتج المستشرق الأمريكي كلاي بوثائق تقول إن الأسرة البابلية الأولى قد جاءت إلى العراق نازحة من الغرب من إقليم آمورو في سورية، ويشير كلاي إلى بعض التشابه بين الأساطير العراقية والأساطير الفينيقيية وأساطير الساميين في بلاد سورية. هذا التشابه في الخرافات والأساطير لا يقوم دليلا لأن هناك تأثيرات متبادلة بين الإقليمين. ثم كيف يمكننا أن نبرر انتقال الإنسان من بيئة غنية بالنبات والزراعة والمياه والطقس اللطيف إلى مناطق قاحلة. ثم كيف استطاعوا قطع الصحراء قبل استئناس الجمال التي لم يثبت استئناسه إلا في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد.
5- جزيرة العرب (اليمن خاصة): قال بهذا عدد من المستشرقين مثل إيراهارد شرادر وأيده من بعد فنكلر، وتيله، والأب فنسان، والأثري الفرنسي جاك دي مورجان، والمستشرق الإيطالي كايتاني، الذين يرون أن الموطن الأصلي للساميين كان شبه الجزيرة العربية."[3] وهذا ما أكده إسرائيل ولفنسون, ويؤيد هذا الرأي الأمور التالية:
(أ) إن انتقال البشر من المناطق القاحلة إلى الخصبة أمر منطقي تماما. أما القول بعكسه فليس له ما يؤيده من ناحية العقل أو التاريخ.
(ب) إن العربية تحتفظ بكثير من السمات اللغوية للغة السامية الأم بينما فقد هذه السمات كثير من اللغات السامية المحاذية لأقوام غير سامية، ومن يحتفظ بالسمات الأولى هو أولى بالأصل من غيره، ولا يعقل أن يكون العرب قد انتقلوا من مناطق لأقوام غير سامية ثم جاءوا إلى جزيرة العرب وبقوا محتفظين بسماتها القديمة.
(ج) وجود سمات مشتركة بين العبرية والسبئية، يؤكد هذا ما ذهب إليه مرجوليوث من أن الوطن الأصلي لبني إسرائيل هو بلاد اليمن وليس شبه جزيرة سيناء، وقد اعتمد في رأيه هذا على بعض الخصائص اللغوية المشتركة بين السبئيّة والعبرية، إلى جانب اعتماده على تشابه العادات والتقاليد والأخلاق الدينية عند السبئيين وبني إسرائيل.
(د) وجود علاقة بين أسماء بعض الآلهة السامية في الأساطير البابلبية مثل تيامت، وهي آلهة وثنية تهيمن على السواحل، واسم ساحل تهامة وهو ساحل البحر الأحمر في غرب الجزيرة العربية. وعلاقة لغوية بين الأسماء الدينية في التوراة والقرآن الكريم كجنة عدن وبلاد عدن في جنوب الجزيرة العربية.
انظر خريطة توزيع اللغات السامية (ملحق 1)
تقسيم اللغات السامية
اللغات السامية تنقسم إلى ثلاثة فروع هي (1) اللغات السامية الشرقية و (2) اللغات السامية الشمالية الغربية (٣ اللغات السامية الجنوبية الغربية (أو الجنوبية).
ولا يضم الفرع الشرقي غير اللغة الأكادية وهى أقدم لغة سامية تم تأكيد وجودها على أساس النصوص المسمارية. وكانت الأكادية مستعملة في بلاد ما بين النهرين منذ حوالي سنة ٣۰۰۰ قبل الميلاد حتى ما يقارب ١۰۰ سنة بعده. واستمرّ استعمالها لغة كتابة منذ حوالي 2000 ق.م وحتى القرن الثاني أو الثالث الميلادي. وقد تطور منها لهجتان هما البابلية في الجنوب والآشورية في الشمال، اللتان خلفتهما الآرامية في القرن السادس ق. م. إنّ الفرق الرئيسي بين اللغات السامية الشرقية واللغات السامية الغربية هو اختلاف نظام الأفعال.
ويحتوي الفرع السامي الشمالي الغربي على اللغات العمورية والأوغاريتية والكنعانية والآرامية. أما العمورية فهي لغة اكتشفت استناداً إلى بعض الأسماء الشخصية التي دخلت في النصوص الأكادية والمصرية وتعود إلى النصف الأول من الألف الثاني ق .م. والأرجح أن العموريين القدماء كانوا من الأقوام البدوية السامية.
وتمثل اللغة الأوغاريتية شكلاً قديما من الكنعانية وكانت مكتوبة ومنطوقا بها في أوغاريت (رأس شمرا) على الساحل الشمالي لفينيقيا في القرنين ١٤ و ١٣ ق.م. والنصوص الأوغاريتية الأولى التي عثر عليها في أواخر العشرينات من القرن العشرين مكتوبة بأبجدية مشابهة للخط المسماري.
أمّا الكنعانية فتتكون من عدد من اللهجات المترابطة فيما بينها ترابطاً وثيقاً والتي كانت مستعملة في فلسطين وفينيقيا وسورية. وتعود مدوّناتها إلى حوالي سنة ١٥۰۰ ق.م. واللغات الكنعانية الرئيسية هي الفينيقية والفونية والمؤابية والأدومية والعبرية والعمونية وكانت كلها بادئ الأمر تُكتب بالخط الفينيقي. والمدوّنات الفينيقية تعود من مطلع العهد المسيحي إلى ١٠٠٠ سنة ق.م. (نقوش من لبنان وسورية وفلسطين وقبرص وغيرها). أمّا اللغة الفونية التي تطورت من الفينيقية في مستعمراتها حول البحر المتوسط ابتداء من القرن التاسع ق .م فقد ظلّت مستعملة حتى القرن الخامس الميلادي. وأما المؤابية والأدومية والعمونية فكانت منتشرة في أراضى الأردن الحالية. ولم يبق من مدوّنات تلك اللغات إلا القليل من النقوش والخواتم التي تعود إلى الفترة ما بين القرنين ٩ و ٥ ق .م. والأرجح أن الآرامية حلّت محّل تلك اللغات. وأكثر تلك المدّونات شهرة هو النص المؤابي المنقوش في حجر ״ميشع״ والذي يعود إلى حوالي سنة ۸٤۰ ق .م. ويحتوى النص على رواية حروب ميشع (ملك المؤابيين) ضد عمري ملك إسرائيل. أما اللغة العبرية الكلاسيكية أو عبرية الكتاب المقدس فكانت معروفة منذ العهد القديم وكُتبت بها نصوص على مدى ألف سنة. وأقدم النقوش العبرية هو لوح (تقويم جزر) الذي يعود إلى حوالي سنة ٩٢٥ ق .م. وكانت العبرية تُكتب بالأبجدية الكنعانية الفينيقية إلى أن اتخذ اليهود في القرن الرابع ق.م. الخط المربّع من الآرامية وظلّوا يستخدمونه إلى أيامنا هذه. ومع حلول القرن الثالث ق .م.لم يكن مستعملا من العبرية إلا المشناوية في يهوذا. ومع ذلك فقد احتفظ اليهود بتلك اللغة على مدى القرون باعتبارها لغة مقدسة وتم إحياؤها ـ مع ببعض ال
ات ـ في القرن العشرين لتصبح لغة رسمية لإسرائيل في فلسطين المحتلة.
أما المدوّنات الآرامية فتعود إلى 8٥۰ ق .م . (على لوح حجري من تل فخرية في سورية). وقد انتشرت الآرامية انتشاراً سريعاً لتصبح في القرن السادس ق .م. لغة الإدارة واللغة الشائعة في جميع أنحاء الشرق الأوسط فحلّت محل اللغات السامية الأخرى بما فيها الأكادية والعبرية. وحتى عصر الفتوحات العربية الإسلامية في القرن السابع لم يكن لها نظير في الشرق الأوسط إلا اللغة اليونانية. أما مصادر الآرامية قبل الميلاد (الآرامية العتيقة أو الإمبراطورية) فهي النقوش وبعض الخطابات والوثائق المكتوبة على ورق البردي بالإضافة إلى كتابَيْ عزرا ودانيال من العهد القديم. وتضم الآرامية الغربية: النبطية والتدمرية والآرامية اليهودية الفلسطينية) والآرامية السامرية، والآرامية المسيحية الفلسطينية (السريانية الفلسطينية). ومع أن معظم سكّان المملكة النبطية في البتراء وجوارها في جنوب الأردن، وتدمر (شمالي شرقي سورية) والخضر في شمال العراق كانوا عرباً إلا أنهم كتاباتهم كانت بالآرامية مستعملين أنواعاً خاصة بهم من الخط.
السامية الجنوبية الغربية أو الجنوبية:
وتحتوي اللغات السامية الجنوبية الغربية أو الجنوبية على (1) العربية الجنوبية و (2) العربية الشمالية و(3) اللغات الإثيوبية.
ومن مصادر اللغة العربية الجنوبية بعض النقوش القديمة إضافة إلى اللهجات العامية المنطوق بها حاليا في اليمن و عُمان. وقد اشتقت أبجديتها من الخط الكنعاني الذي جيء به إلى المنطقة من شمال الجزيرة العربية حوالي سنة ١٣۰۰ ق .م . وتعود النقوش العربية الجنوبية ـ وهي في شكل نذور ووثائق ونقوش على القبور ـ إلى فترة ما بين ٧۰۰ ق. م. و ٥۰۰م. وتضم العربية الجنوبية بضع لهجات منها السبئية والمعينية والقتبانية ولهجة حضرموت. أما اللغات المعاصرة لجنوب الجزيرة العربية فليست مكتوبة وهى في طريقها إلى الانقراض نتيجة انتشار اللغة العربية الشمالية. وأشهر تلك اللغات هي المهرية والسقطرية.
العربية الشمالية وتنقسم إلى العربية البائدة وهي التي كان يتكلمها أبناء قبائل ثمود ولحيان في شمال الحجاز وسكان الصفا في بلاد الشام. وثمة آلاف النصوص القصيرة المنقوشة على الصخور التي تعود إلى فترة ما بين ٧۰۰ ق.م .و٤۰۰ م. ويعود أقدم النصوص العربية المكتوبة بالخط المشتق من الأبجدية النبطية إلى القرن الرابع للميلاد. ويقع مهد اللغة العربية الباقية (الفصحى) في شمال الجزيرة العربية. والمصادر الأولى لتلك اللغة هي الشعر الجاهلي والقرآن الكريم. ومع ظهور الإسلام وانتشاره انتشرت العربية وأصبحت لغة الثقافة والعلوم من بلاد فارس وآسيا الصغرى إلى المحيط الأطلسي وأسبانيا.
والإثيوبية تشبه لغات جنوب الجزيرة العربية أكثر مما تشبه العربية الشمالية. وأقدم تلك اللغات هي الجعزية المعروفة باسم الإثيوبية. ويعتقد بعض علماء الساميات أنها تفرّعت من لغة جنوب الجزيرة العربية في بداية العهد المسيحي لتبلغ أوج اتّساعها في القرن الرابع. وكان تكلّم بها في ذلك الوقت سكّان مملكة أكسوم الواقعة على الحدود الحالية بين إثيوبيا وإريتريا .ومع أنّ الجعزية قد توقف استعمالها كلغة للكلام منذ حوالي ١۰۰۰م إلاّ أنها ظلت لغة الطقوس الدينية في الكنيسة الحبشية.
ومن يتأمل الكلمات التي وردت في الجدول التالي يدرك العلاقة اللغوية بين هذه اللغات:[4]
العربيّة أخ بَعْل كَلب ذُباب زَرْع رأس عين لسان ماء
الإثيوبيّة إِخْتُ باعِل كَلب زمب زَرِع رِءِس عين لسان ماي
الأكاديّة أَخُو بيل كَلب زمبُ زِيرُ رِيشُ ينُ لِشانُ مُو
الأوغاريتية أخُ بعل كَلب ـ درع ريش عن لسن مي
الآراميّة أحَا بَعلا كلبا دَبَّاثا زرعا ريشا عينا لِشَّانا مَيّا
العبريّة أخ بَعَل كِلِف زِفوف زِرَع رُأش عَيِنْ لَشُن مَيم
الخصائص المشتركة بين اللغات السامية
(أ) وجود عدد كبير من الحروف الحلقية، وهي: ع، غ، ح، خ، هـ، ء. لكن بعض هذه الأصوات لم يبق على حاله في بعض اللغات، بل تغير بعضها إلى أصوات أخرى. ولم تبق كاملة إلا في العربية الشمالية والعربية الجنوبية والأغاريتية. (انظر الجدول).
حروف الحلق
ع تغير إلى
ء
الأكادية
ح تغير إلى
هـ > ء
الأكادية
خ تغير إلى
ح
العبرية والآرمية
غ تغير إلى
ع > ء
ع
الأكادية
العبرية، الآرمية، الإثيوبية
(ب) وجود عدد من حروف الإطباق وهي: ق، ،ص، ط، ض، ظ لكنها لم تبق أيضا على حالها في جميع هذه اللغات، بل تغير بعضها. ولم يحتفظ كاملة إلا العربية الشمالية والعربية الجنوبية (انظر الجدول).
حروف الإطباق
ض تغير إلى
ص
ع
الأكادية، العبرية، الأوغاريتية
الآرمية
ظ تغير إلى
ص
ط
الأكادية، العبرية، الإثيوبية
الآرمية
(ج) يقوم بناء الكلمة على الحروف الصامتة، فهي وحدها التي تؤدي المعنى العام وأما الحركات القصيرة والطويلة والزوائد فوظيفتها تأدية المعاني الاشتقاقية والصرفية، كتَبَ، كاتب، كُتِب، مكتب.
(د) يقوم معظم جذور الكلمات السامية على ثلاثة أحرف، وقليل مكون من حرفين مثل أب أخ أو فوق الثلاثة مثل أرنب، قنفذ، عقرب.
(هـ) امتازت اللغات السامية بوجود عدد كبير من صيغ الفعل الدلالية التي قلما توجد في عائلات لغوية أخرى، نحو: فعَل، فعّل، أفعل، فاعل ، تفعّل، افتعل، انفعل، تفاعل، استفعل، افعلّ، افعوّل، افعوعل.
(و) ندرة صيغ الدمج الذي نصادفه في اللغات الأوربية مثلاً حيث تدمج كلمتان أو ثلاث لتصبح واحدة كما في الإنجليزية bodyguard المدموجة من (Body+gaurd) و (homework) المدموجة من (home+work)، لكن هناك في الساميات وخاصة العربية ألفاظ قليلة جاءت عن طريق ما يسمى بالنحت وهو غير الدمج مثل حمدله وبسمله وجعفل.
(ز) وجود علامات إعرابية تدل على الموقع الإعرابي أو الحالة التركيبية: المسند إليه، الاسم المسند، و المضاف إليه، إلخ …، وعلى نصب المضارع وجزمه، وقد فقدت بعض اللغات السامية هذه العلامات ولكن العربية احتفظت بالعلامات الأصلية: الفتحة والضمة والكسرة والسكون وهناك علامات فرعية كنيابة حركة عن حركة، وحرف عن حركة عن حرف والحذف …)
(ح) وجود صيغ للتثنية في الأسماء والضمائر المنفصلة والمتصلة الدالة على المخاطب والغائب.
(ط) اتساع النزعة الفعلية في اللغات السامية، أي أن هناك اهتمام بالفعل بدليل وجود صيغ متعددة له وهناك اشتقاقات لأفعال من أسماء جامدة مثل بطن فلان أي أصابه مرض في بطنه وكبدته أي أصبت كبده.
(ي) تمييز المخلوقات والأشياء إلى مذكر أو مؤنث ولا ثالث لهما، نحو شمس، بئر، سماء، وجبل، قمر، ليل، نهار.
انظر جدول أصوات اللغات السامية (ملحق 2)
(( الاختلافات بين العربية واللغات السامية ))
العربية هي أكثر اللغات السامية احتفاظاً بسمات السامية الأولى فقد احتفظت بمعظم أصوات اللغة السامية وخصائصها النحوية والصرفية.
1- فقد احتفظت بأصوات فقدتها بعض اللغات مثل: غ، خ، ض، ظ، ث، ذ. ولا ينافسها في هذه المحافظة إلا العربية الجنوبية. (قارن جدول الأصوات السامية ومقابلاتها)
2- احتفظت العربية بعلامات الإعراب بينما فقدتها اللغات السامية الأخرى.
3- احتفظت بمعظم الصيغ الاشتقاقية للسامية الأم، اسم الفاعل، المفعول. وتصريف الضمائر مع الأسماء والأفعال: بيتي، بيتك، بيته، رأيته، رآني.
4- احتفظت بمعظم الصيغ الأصلية للضمائر وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة.
5- يضم معجم العربية الفصحى ثروة لفظية ضخمة لا يعادلها أي معجم سامي آخر. ولهذا أصبحت عونا لعلماء الساميات في إجراء المقارنات اللغوية أو قراءة النصوص السامية القديمة كنصوص الآثار الأكادية والفينيقية والأوغاريتية وحتى نصوص التوراة العبرية.
(( الاختلافات بين العربية والسامية الأم ))
بالرغم من أن العربية هي أكثر اللغات السامية احتفاظا بالسمات السامية القديمة، الصوتية منها والصرفية، وهي بهذا أقرب هذه اللغات إلى السامية الأولى، إلا أن هناك اختلافات بينها وبين أمها الأولى، وهذه الاختلافات يمكن تصنيفها كالتالي:
الاختلافات صوتية:
(1) تغيرت بعض الأصوات السامية في العربية:
j < g (ج)
P > f (ف)
Š > S (س) فأصبح صوت (ش) السامي و (س) السامي ينطقان في العربية (ش).
Ś > Š (ش)
(2) القلب المكاني لبعض الكلمات مثل: بركة > ركبة ، ويدلنا على انقلابها من بركة ما نجده في الأوغاريتية brkm والأكادية burku ، وقد بقي من ركام هذا الأصل في العربية الفعل (برك) أي نزل على ركبه (< بركه).
(3) التغيير الصوتي: حيث حدث إبدال في لبعض الأصوات في مثل: أبّل > أبّن “مدح الميت” (قارن الجذر ?bl في الأغاريتية والعبرية والآرمية: “ينعى”) ، أحد > واحد (قارن: أحد في الأغاريتية و أحّاد في العبرية) ، ألمنة > أرملة (قارن: الأكادية almattu والأغاريتية almnt)
اختلافات صرفية
(1) تغير صيغة تفعل السامية إلى افتعل، نحو اكتسب (< تكسب)، اختبر (< تخبر).[5]
(2) أداة التعريف في العربية الـ وفي العبرية هـ ، ويرى بعض علماء الساميات أن هناك علاقة بين أداة التعريف واسم الإشارة، وعليه يرجح هؤلاء أن أداة التعريف في السامية الأم كانت هل (hal) وحذفت الهاء من العربية وأصبحت الـ ، وحذفت ل من العبرية وأصبحت هـ .
(3) إقحام النون في بعض المفردات، نحو أنف (أف) قارن الأكادية appu’، والأوغاريتية p’ والعبرية app’؛ أنثى (أثثى) قارن الأوغاريتية ŧt’ (أثة) والأكادية aššatu’.
(4) تغير بعض الضمائر المتصلة، مثل: تغير ضمير الفاعلات: قتلا (أي قتلن) إلى قتلنَ قياسا على المضارع (يقتلن). وتغير ضمير المتكلم المتصل إلى ت في نحو كتبتُ والأصل كتبكُ.
اختلافات دلالية:
أي تغير معنى لفظة عن معناها الأصلي إلى معنى خاص، ومن أمثلة ذلك:
لحم: التي يبدو أنها كانت تعني "الطعام" ثم تغير معناها في العربية بسبب التخصيص إلى "لحم الحيوان" وفي العبرية إلى "خبز" وفي السريانية إلى "طعام" و "خبز".
هلك: كانت تعني سار ورحل وهذا معناها في العبرية والآرمية، ولكنها أصبحت تعني في العربية "مات" وهذا التغيير حدث بسبب التلطف في ذكر الموت، قارن رحل أي مات. ولكنها فيما بعد أصبحت أقوى في الدلالة من مات نفسها. ولذلك استخدم فعل رحل بدلها.
أهل: يبدو أن معناها كان "خيمة" ثم استعملتها العرب مجازا للزوجة والأبناء، باعتبارهم من يسكنون داخل الخيمة.
أمس: "مساء اليوم السابق" (قارن الأكادية amšat أمشت) تغير معناها إلى "اليوم السابق.
الاشتقاق[6]
اختلف العرب حول تعريف الاشتقاق:
(أ) عرفه الرماني بأنه "اقتطاع فرع من أصل يدور في تصاريفه (حروف ذلك) الأصل"
(ب) وأورد أبو البقاء له تعريفين: (1) رد كلمة إلى أخرى لتناسبهما في اللفظ والمعنى، و(2) أخذ كلمة من أخرى بتغيير ما في الصيغة مع التناسب في المعنى"
يلاحظ هنا أنه يوجد اختلاف بين التعريفين فأحدهما عبر فيه بـ (اقتطاع) والآخر بـ (رد). فما سبب هذا الاختلاف؟ أجاب عن هذا التهانوي في كتابه كشاف اصطلاحات الفنون حيث قال إن هذه التعريفات على ضربين:
الأول تعريف بحسب العمل (اقتطاع) وهو أي تأخذ من اللفظ ما يناسبه في التركيب فتجعله دالا على معنى يناسب معناه. وهذا ما نفعله حين نشتق المشتقات القياسية كاسم الفاعل واسم المفعول واسم المكان واسم الزمان من الفعل حسب قواعد اشتقاقية معينة. فالمأخوذ مشتق والمأخوذ منه مشتق منه ولسنا مطالبين بالسماع. وهذا يعبر عنه في علم اللغة باصطلاح: Derivation.
والثاني بحسب العلم وعبر عنه بـ (رد) وهو أن تجد بين اللفظين تناسبا في أصل المعنى والتركيب فترد أحدهما إلى الآخر، فالمردود مشتق والمردود إليه مشتق منه، وهذا الذي ذكره يشبه ما يعبر عنه باللغات الغربية باصطلاح Etymology وهو أن تنسب كلمة إلى أصل معنى جذرها، مثل (جنين) و(جنن) و(جنة) المأخوذة من (جن) الذي يدور حول معاني "التغطية والستر."
وهناك أمر ثالث مختلف عما ذكر وقد يخفى على بعض الدارسين فيعتبرونه من النوع الأول ألا وهو التصريف وهو تغير في هيئة الكلمة لتوافق التركيب في الجملة وما يقتضيه من حيث الزمان أو العدد أو الفرد أو الجنس مثل ذهب، ذهبوا، ذهبتُ، ذهبتَ؛ وعامل، عاملان، وعاملون
أصل المشتقات
الاختلاف في أصل الاشتقاق:
اختلف أهل اللغة في أصل الاشتقاق فذهب البصريون إلى أن الفعل مشتق من المصدر وفرع عليه، وذهب الكوفيون إلى أن المصدر مشتق من الفعل وفرع عليه نحو ضرب ضربا وقام قياما.
وأما البصريون فاحتجوا بما يلي:
1- المصدر يدل على زمان مطلق والفعل يدل على زمان معين فكما أن المطلق أصل للمقيد فكذلك المصدر أصل للفعل وبيان ذلك أنهم لما أرادوا استعمال المصدر وجدوه يشترك في الأزمنة كلها لا اختصاص له بزمان دون زمان فلما لم يتعين لهم زمان حدوثه لعدم اختصاصه اشتقوا له من لفظه أمثلة تدل على تعين الأزمنة ولهذا كانت الأفعال ثلاثة ماض وحاضر ومستقبل لأن الأزمنة ثلاثة ليختص كل فعل منها بزمان من الأزمنة الثلاثة فدل على أن المصدر أصل للفعل
2- المصدر اسم والاسم يقوم بنفسه ويستغنى عن الفعل وأما الفعل فإنه لا يقوم بنفسه ويفتقر إلى الاسم وما يستغنى بنفسه ولا يفتقر إلى غيره أولى بأن يكون أصلا مما لا يقوم بنفسه ويفتقر إلى غيره
3- الفعل بصيغته يدل على شيئين الحدث والزمان المحصل والمصدر يدل بصيغته على شيء واحد وهو الحدث وكما أن الواحد أصل الاثنين فكذلك المصدر أصل الفعل
4- المصدر له مثال واحد نحو الضرب والقتل والفعل له أمثلة مختلفة كما أن الذهب نوع واحد وما ويوجد منه أنواع وصور مختلفة.
5- الفعل بصيغته يدل على ما يدل عليه المصدر والمصدر لا يدل على ما يدل عليه الفعل ألا ترى أن ضَرَب يدل على ما يدل عليه الضرب والضرب لا يدل على ما يدل عليه ضَرَب، وإذا كان كذلك دلّ على أن المصدر أصل والفعل فرع لأن الفرع لا بد أن يكون فيه الأصل وصار هذا كما تقول في الآنية المصوغة من الفضة فإنها تدل على الفضة والفضة لا تدل على الآنية وكما أن الآنية المصوغة من الفضة فرع عليها ومأخوذة منها فكذلك هاهنا الفعل فرع على المصدر ومأخوذ منه
6- لو كان المصدر مشتقا من الفعل لكان يجب أن يجرى على سنن في القياس ولم يختلف كما لم يختلف أسماء الفاعلين والمفعولين. فلما اختلف المصدر اختلاف الأجناس كالرجل والثوب والتراب والماء والزيت وسائر الأجناس دل على أنه غير مشتق من الفعل
7- لو كان المصدر مشتقا من الفعل لوجب أن يدل على ما في الفعل من الحدث والزمان وعلى معنى ثالث كما دلت أسماء الفاعلين والمفعولين على الحدث وذات الفاعل والمفعول به فلما لم يكن المصدر كذلك دل على أنه ليس مشتقا من الفعل.
8- تسمية المصدر مصدرا دليل على أصالته، لأن (المصدر) في اللغة هو الموضع الذي يُصدَر عنه ولهذا قيل للموضع الذي تصدر عنه الإبل مصدر فلما سمي مصدرا دل على أن الفعل قد صدر عنه.
أما الكوفيون الذين قالوا بأن المصدر مشتق من الفعل فاحتجوا بما يلي:
1- المصدر مشتق من الفعل لأن المصدر يصح لصحة الفعل ويعتل لاعتلاله ألا ترى أنك تقول قاوم قِوَاما فيصح المصدر لصحة الفعل، وتقول قام قياما فيعتل لاعتلاله، فلما صح لصحته واعتل لاعتلاله دل على أنه فرع عليه.
2- الفعل يعمل في المصدر، ألا ترى أنك تقول ضربت ضربا فتنصب ضربا بضرب، فوجب أن يكون المصدر فرعا للفعل لأن رتبة العامل قبل رتبة المعمول.
3- المصدر يذكر تأكيدا للفعل، ولا شك أن رتبة المؤكَّد قبل رتبة المؤكِّد فدل على أن الفعل أصل والمصدر فرع.
4- هناك أفعال لا مصادر لها خصوصا على أصلكم وهي نعم وبئس وعسى وليس وأفعال التعجب فلو كان المصدر للزم وجود الأصل هنا وهو مصادر هذه الأفعال.
وذكر فؤاد ترزي حججا فات الكوفيين إيرادها لتعضيد رأيهم، منها:
5- المصدر اسم لمعنى وأسماء المعاني أسماء مجردة لا يمكن أن تكون أصولاً لألفاظ أقرب منها إلى التجسيد واللغات كما هو معروف تسير في تطورها من التجسيد إلى التجريد لا العكس.
6- إن لكثير من الأفعال مصادر متعددة والمعقول أن يشتق المتعدد من الواحد لا الواحد من المتعدد، من ذلك مثلا (مكث) الذي ذكر من مصادره: مَكْث، مُكْث، مَكَث، مكوث، مُكْثان، … إلخ.
رأي عبدالله أمين
يرى عبدالله أمين إن أصل المشتقات جميعاً ليس الفعل ولا المصدر، وإنما شيء غيرهما هو الأسماء الجامدة وأسماء الأصوات. الأسماء الجامدة المرتجلة التي لم تشتق من غيرها، نحو: شجر، حجر، سماء، ماء، بطن، يد. وأسماء الأصوات هي حاحا للغنم وسأسأ للحمير، قعْ، دنْ، غاقْ، قبْ. هذه اشتق منها الفعل، ومن الفعل اشتق المصادر وبقية المشتقات كاسم الفاعل واسم المفعول واسم الزمان واسم المكان …إلخ. ويمكن بيان ذلك كالتالي:
أسماء الأصوات، والأسماء الجامدة > أفعال > مصادر ومشتقات أخرى
النقد: (1) إنه ينفي أن تكون الأفعال مرتجلة وهي جزء مهم من اللغة متعلق بنشاط الإنسان منذ وجد على البسيطة كالكسر والشق والدق والقطع و لا يعقل ألا يضع الإنسان كلمات لهذا النوع من النشاط.
(2) هناك أفعال كثيرة لا تنتمي إلى أسماء جامدة أو إلى أسماء أصوات نحو علم، سار، نام، جلس، وغيرها لذا كان لا بد من افتراض ارتجالها.[7] إضافة إلى أن هناك أفعالا لا تنتمي إلى اسم من أسماء المعاني وأسماء الأعيان والأصوات مثل علم وسمع وجمع..
الجذر
الجذر: هو الحروف الأصلية المشتركة بين كلمات معينه تشترك في معنى عام، مثل (ج.ن) التي تتكرر في: جنَّ- جَنه – جَنان –جنين – جُنة، جَنَن.
آراء العلماء في الجذر:
قال بعضهم هي كلمات كان لها في مرحلة من تاريخ اللغة معان معينة. وقال آخرون إن الجذور ما هي إلا افتراضات استنتجت من المشتقات ولا وجود لها إلا في أذهان بعض اللغويين.
الصلة بين الجذور والمشتقات:
هناك علاقة صوتية فبين جَنة – جَنان –جنين – جُنة، جَنَن وجود الجيم والنون. ثم هناك علاقة دلالية معنوية لأن معاني هذه الألفاظ تشترك في معنى عام هو “التغطية والستر”
أمثلة أخرى:
غ ف ر (التغطية)
غفر: غطى؛ الغفارة: غطاء للمرأة؛ مغفر: البيضة التي يضعها الفارس على رأسه؛ غفر: عفا (غطى على ذنبه)؛ الغفير : الكثير (لأنه يغطي).
ع ف و (التغطية والنماء).
عفا: نما وطال (يغطى)، العفاء: الريش والشعر (شيء ينمو ويغطي).
عفا: غفر له (غطى على ذنبه ) عفت الديار: طمست (غُطيت).
—————————————–
[1] كايد، إبراهيم، “العربية بين الساميات”
[2] كايد، إبراهيم “العربية بين الساميات”
[3] كايد، إبراهيم “العربية بين الساميات”
[4] موسوعة مقاتل “السمات العامة للغة العربية”
[5] رمضان عبد التواب، المدخل إلى علم اللغة، 234.
[6] انظرفؤاد ترزي، الاشتقاق.
[7] ترزي، 70.
نُشِرت في اللغات السامية | أكتب تعليق
ارامية (اللهجات)
كُتب يوم 11/18/2013
منذ القرن التاسع ق.م. برزت مدوّنات أراميّة، وما زالت بعض اللهجات اليوم محكيّة حتى أيامنا في سورية.
1) الأراميّة القديمة. القرن 9-7. إنّ الأراميّة القديمة، شأنها شأن العبريّة وشأن الفينيقيّة التي منها أخذت الأراميّة حروفها، دُوّنت على البرديات أو على الرقّ. وهذا ما يفسّر ندرة الوثائق. فلا نجد كتابات إلاّ محفورة على الحجر، أو إجمالات أعمال قانونيّة حُفرت على لويحات كانت تختم لفيفات من البرديّ أو الرقّ قد أتلفتها الرطوبة. أما الكتابات المهداة إلى الملوك والوجهاء مثل هدد يتعي في جوزان (القرن 9). وبر هدد في مملكة (القرن 9)، وزكّور في حدرك (القرن 8)، أو المعاهدات الدُوليّة المحفورة على مسلاّت سفيرة (القرن 8)، فقد دوّنت في لهجة أدبيّة لا تتبع دومًا ذات المبادئ الإملائيّة. فالتاء مثلاً قد تكتب س أو ش. هناك حرف في الأراميّة (الثاء) لم يجد ما يقابله في الفينيقيّة كما نجده في العربيّة. ونجد لهجة أخرى سمّيت خطأ “يهودي”. ونحن نجدها في مدوّنتين ملكيتين في أرض شمال (جنوبي ماراس) تعودان إلى القرن الثامن. أما سائر المدوّنات التي وجدت في ذات الموقع، فقد كتبت في اللهجة المشتركة. وارتبط جزء واسع من الأراضي التي أقام فيها الأراميّون، بأشورية منذ القرن التاسع. كما أنّ مجمل الأراضي الأراميّة وجدت نفسها تحت الحكم الأشوريّ قبل نهاية القرن الثامن. وهكذا صارت الأراميّة اللغة الثانية في الإمبراطوريّة الأشوريّة (رج 2مل 18 : 26)، فاستُعملت حتى في نينوى وأشور وخلف. لهذا تضمّنت الأراميّة ألفاظًا مأخوذة من الأكاديّة. وبرز على مستوى النحو تأثير لغة على الأخرى لدى الكتبة. بالإضافة إلى ذلك وُجدت ألفاظ أراميّة في النصوص المسماريّة في اللغة الأشوريّة الجديدة التي تضمّنت أيضاً أسماء “تيوفوريّة” (تحمل اسم الإله) تدلّ على ديانة الأراميّين.
2) أراميّة الإمبراطوريّة. في القرن 7-2 ق.م. هي امتداد للأراميّة القديمة التي نمت أهميتها بفضل الأصل الكلدائي (وبالتالي الأراميّ) لملوك بابل الذين أخذوا المشعل من الأشوريّين. وبعدهم جاء الفرس الاخمينيّون في القرن 6، فمدّوا سلطانهم إلى مصر وآسية الصغرى، وجعلوا من الأراميّة لغة د
ينهم. ولهذا وُجدت مدوّنات أراميّة من أفغانستان إلى بحر إيجه، ومن البحر الأسود إلى النوبة. غير أنّ مصر هي التي قدّمت النصوص الهامّة بفضل جفاف الطقس الذي احتفظ بمخطوطات على البرديّ وعلى الرقّ، ولاسيّمَا وثائق الجالية الحربيّة اليهوديّة في الفنتين (جزيرة الفيلة)، والمراسلة مع المرزبان أرشام، ونصوص عديدة في سقارة التي تقع حيث كانت ممفيس القديمة عاصمة مرانا اهبل هههههّة مصر، وأخيرًا المراسلة الخاصة التي وُجدت في هرموبوليس (كمونو في المصرية، الأشمونَين في محافظة أسيوط). دوّنت مراسلة هرموبوليس في لهجة قريبة من الأراميّة الغربيّة، فاختلفت اختلافًا بسيطًا عن لغة الد
ين التي ارتبطت بالأحرى بالأراميّة الشرقيّة. في ذلك الوقت استُعملت الأراميّة أيضاً في فلسطين ودخلت في سفري دانيال (2 :4ب-7 :28) وعزرا (4 :8-6 :18؛ 7 :12-26). وبجانب الرسائل والبراءات المدوّنة في لغة الد
ين، نجد مقاطع إخباريّة دوّنت في أراميّة شائعة (كويني) سوف تستعمل أيضاً في الحقبة التالية. بهذه اللغة ترتبط نصوص أراميّة وُجدت في برديّة امهرست (مصر 63) التي دوّنت في كتابة “ديموتية” تفرّعت من الكتابة الهيراتيّة التي استعملت في مصر منذ القرن 7 ق. م. ومن نصوص هذه البرديّة، نجد نسخة أراميّة لما في مز 20 :2-6.
3) الأراميّة الوسيطة. من القرن 2 ق.م. إلى القرن 3 ب.م. عرفت عدّة لهجات غربيّة وشرقيّة، كما عرفت نصوصًا دوّنت في الأراميّة الأدبيّة الشائعة التي تتميّز باختلافات طفيفة.
نذكر أولاً النصوص الأراميّة في قمران : ترجوم أيوب (المغارة 11)، الذي يعود إلى القرن 2. منحول (أبوكريفون) التكوين (المغارة الأولى) الذي يعود إلى القرن الأول ق.م. أما مخطوطات أخنوخ فقد دوّنت في لغة أدبيّة شائعة. ونقول الشيء عينه عن الترجمات الأراميّة للتوراة التي فرضت نفسها في العالم اليهوديّ. ترجوم اونكلوس في البنتاتوكس. ترجوم يوناتان المزعوم في الأنبياء دوّنا في الأراميّة الشائعة. ولكن استعمال الشتات لهما أدخل عناصر شرقيّة إليهما. و”مجلة تعنيت” قد دوّنت في اللهجة عينها، أي في الأراميّة الغربيّة الفلسطينيّة.
ونذكر ثانيًا الأراميّة الغربيّة التي وردت في عدّة لهجات. الأراميّة الفلسطينيّة التي تمثّلها بضع مدوّنات قصيرة وُجدت في أورشليم، ورسائل ابن الكوكب التي تبدو لغته قريبة من لغة ترجوم اونكلوس وترجوم يوناتان المزعوم. وهذا ما يؤكّد الأصل الفلسطينيّ لهذين الترجومين. أراميّة الأنباط، تلك القبائل العربيّة التي أقامت في أرض أدوم وفي النقب. نجد من هذه اللهجة مئات المدوّنات التي تمتدّ من القرن 2 ق.م. حتى القرن 4 ب.م. كما نجد برديّات كُشفت في بريّة يهودا. إنّ الكتابة الأراميّة لهذه النصوص، قد اتّخذت في القرن الأول ق.م. سمات أنباطيّة، وسوف تُستعمل لكتابة العربيّة. والأراميّة التدمريّة هي اللغة الأدبيّة لشعب عربيّ أقام في واحة تدمر والمناطق المجاورة. نعرف هذه اللغات في مدوّنات عديدة جدًّا تمتدّ من القرن الأول ق.م. حتى القرن الثالث ب.م. وقد عكست الأراميّة التدمريّة تأثير الأراميّة الشرقيّة. وطريقة كتابتها في حروف جرّارة تجعلها قريبة من السريانيّة.
ونذكر ثالثًا الأراميّة الشرقيّة بلهجاتها المتنوّعة التي نربط بها أيضاً مدوّنات أراميّة وجدت في التركستان الروسيّ وما وراء جبال القوقاز. فالحضريّة هي لغة الحضر (أو هترا في العراق) التي تبعد 100 كلم إلى الجنوب الغربيّ من الموصل كانت عاصمة مملكة عربيّة تابعة للفراتيّين. هذه اللهجة القريبة من السريانيّة قد تركت لنا عددًا من المدوّنات تعود إلى القرن 2-3 ب.م. والسريانيّة التي كانت في الأصل لغة منطقة الرها (اداسة. اليوم : أورفا في تركيا) احتفظت بمدوّنات وثنيّة تعود إلى القرن الأول المسيحيّ. ولما صارت لغة المسيحيّين في سورية وبلاد الرافدين، تميّزت بترجمة قديمة للكتاب المقدّس وبأدب مسيحيّ واسع جدًّا. ووُجدت مدوّنات أراميّة في لغة تحمل بعض الأخطاء، في أرمينيا وجيورجيا من القرن 2 ق.م. حتى القرن 3 ب.م. وهناك 3000 أوستراكة (شحفة) قد وجدت في نيزا في تركمنستان. هي تعود إلى القرن الأول ق.م.، وقد دوّنت في لغة تشبه إلى حدّ بعيد ما وُجد في أرمينيا وجيورجيا. أو هي تُقرأ في لهجة الفراتيّين الإيرانيّة التي كانت نيزا عاصمة من عواصمهم. هذا الرأي الأخير ليس بأكيد وإن كان استعمال الحروف الأراميّة معروفًا في إيران الوسطى. وقد تسري الملاحظة عينها على ستين مدوّنة في كتابة أراميّة وُجدت في “تبرك كلام” جنوبي بحيرة أرال.
4) الأراميّة المتأخّرة. من القرن 3 إلى القرن 13 ب.م. تتضمّن اللهجات الغربيّة واللهجات الشرقيّة. أما الأراميّة الغربيّة فنجدها في لهجات فلسطينيّة. هناك أولاً أراميّة الجليل أو الأراميّة اليهوديّة التي يمثّلها عدد من المدوّنات الاهدائيّة والتذكاريّة، وأجزاء أراميّة في كتب مدراشيّة وخصوصًا “تكوين ربا” و “لاويين ربا” وتراجيم فلسطينيّة عُرفت خصوصًا في أجزاء من خزانة القاهرة و”ترجوم نيوفيتي” الذي عُثر عليه في المكتبة الفاتيكانيّة. ونشير أيضاً إلى “ترجوم يوناتان المنحول حول البنتاتوكس” أو “يروشليمي الأول”، ثمّ “الترجوم الأجزائيّ” أو “يروشليمي الثاني”، ثمّ “التلمود الفلسطيني” أي “تلمود أورشليم”. ولكنّنا لا نستطيع أن نثق بلغة هذه الكتب إلاّ في أجزاء خزانة القاهرة وعدد من التعويذات. وهناك ثانيًا السامريّة التي يمثّلها “ترجوم البنتاتوكس السامريّ”، ونصوص ليتورجيّة، ومؤلّفات مثل “ميمر مقرا” و”أساطير”. كلّ هذه النصوص دوّنت في الحرف العبري العتيق المعروف لدى السامريّين. وهناك ثالثًا السريانيّة الفلسطينيّة التي عُرفت خصوصًا في النصوص البيبليّة المترجمة. دوّنت في حروف سريانيّة، وفي لهجة تحدّث فيها يهود اليهوديّة الذين اهتدوا إلى المسيحيّة. أمّا الأراميّة الشرقيّة فتتمثّل في ثلاث لهجات رئيسيّة. الأولى، السريانيّة التي قُسّمت إلى سريانيّة شرقيّة وسريانيّة غربيّة. كانت السريانيّة الشرقيّة لغة النساطرة في الإمبراطوريّة الساسانيّة ثمّ في عهد الأمويّين والعباسيّين، وقد نشرها المرسلون النساطرة فوصلوا بها إلى الصين وتركستان. والسريانيّة الغربيّة كانت لغة اليعاقبة (والموارنة) في المملكة البيزنطيّة الذين وصل تأثيرهم إلى الحبشة. والثانية، أراميّة يهود بابل التي عُرفت في “تلمود بابل” كما عُرفت في “أسئلة وأجوبة” الأكادميات البابليّة (غاؤونيم أي العظماء) وفي “كتاب الوصايا” لحنان بن داود، وفي مدوّنات الكاسات السحريّة التي تعود إلى القرن 6-7. وظلّ يهود بابلونيّة يتكلّمون الأراميّة أقلّه في المناطق الريفيّة حتى القرن الحادي عشر. الثالثة، الأراميّة الحديثة. نجدها في ثلاث قرى سوريّة، في منطقة طور عبدين (جنوبي شرقي تركيا)، وفي كردستان التركي والإيراني والعراقي، في أزربجيان، قرب بحيرة أورميا، وفي منطقة الموصل في العراق. ولكن يجب أن نعرف أن العدد الكبير من هؤلاء المتكلّمين الأراميّة الحديثة قد هاجروا إلى الولايات المتحدة وأوستراليا وكندا وبلدان أوروبا.
أراميون لا نعرف حتى الآن أقدم تاريخ للاراميين. إذا عدنا إلى عا 9:7 نرى أنهم جاؤوا من قير. فإذا حدّدنا “قير” في الشمال الشرقي للجزيرة العربية، حيث أقام الكلدائيّون (كلدو )، يتوافق عا 9:7 مع سلسلة تك 22 :21ي التي يكون فيها كاسد (كلدو ) وقموئيل (والد أرام وجدّ الاراميين) أخوين وابنَي ناحور. فإذا كان الافتراض صحيحًا، يصبح لابان أراميا (تك 25 :20) وكذلك يعقوب (تث 26:5). وحين يتحدّث العهد القديم عن ناحور (تك 24 :10)، فهو يذكر اسم ارام نهرايم (ارام النهرين. في الاكادية : نهريما. في المصرية : نهرن) وهي المنطقة الواقعة بين المجرى الأعلى للفرات ودجلة (تث 23:5؛ قض 3 :8؛ مز 60:2؛ 1أخ 19:16. رج فدان أرام). هل نستطيع أن نصعد إلى ما قبل القرن الثاني عشر؟ لقد وُجد في بلاد الرافدين على طول الفرات الأوسط وجنوبه، حوالي السنة 2000، عنصر إثني تنتمي أسماؤه إلى السامية الغربية، وقد يكون السابق لمجموعات سيُسمّون فيما بعد أراميّين ويقيمون في سورية وفلسطين. إن الكتابات الأشورية في القرن الثاني عشر تعرف قبائل “أرامو” التي جاءت من الصحراء السوريّة العربيّة ودخلت إلى مناطق أشور المتحضّرة. سموا “احلامي” أي “أحلاف”. ولكنهم لم يقدروا أن ينظّموا دولة كبيرة. غير أنه بعد القرن العاشر نظّموا دويلات صغيرة ذكرت التوراة منها :
1) أراميي صوبة : أقاموا بين سلسلة لبنان الشرقيّة والصحراء السوريّة العربيّة، في البقاع بين السلسلة الغربيّة والسلسلة الشرقيّة في لبنان. لقد سيطروا على الاراميين الذين أقاموا داخل سورية وامتدّوا إلى الشمال. نعرف من ملوكهم هددعزر بن رحوب الذي قهره داود (2صم 8:3-8). في هذا الاطار نقرأ اسم مدينتين : بيروتاي، باطح (يجب ان نقرا طبحات أو طبحة. رج 1أخ 18:8؛ تك 22 :24، حيث طابح هو ابن ناحور ). استولى داود على كمية من النحاس (لهذا سُميت المدينة صوبة، والصهب يدل على اللون الأحمر، كما سمّيت في اليونانيّة خلقيس وهي عنجر الحالية). ويروي 2صم 10:6-14 انتصارًا ثانيًا لدواد على أراميّي صوبة الذين حالفوا أراميّي بيت رحوب ومعكة.
2) أراميي بيت رحوب (2صم 10:6). دويلة على حدود عجلون الشرقيّة. تقع شمالي أرض العمونيين (انظر آثار رحاب). يذكر عد 13:21 اسم مدينة رحوب ويذكر قض 18 :28 وادي بيت رحوب.
3) أراميي معكة (2صم 10:6؛ يش 13 :11). أقاموا في منطقة مرج عيون بين السلسلة الشرقيّة والسلسلة الغربيّة في لبنان. نعرف مدينة آبل تل معكة التي احتلها بنو إسرائيل (2صم 20:14-22) واستردّها بنهدد (1مل 15 :20) واحتفظ بها، قبل أن يضمّها تغلت فلاسر الثالث إلى بلاد أشور.
4) أراميي جشور. كانوا جيران أراميّي معكة. أقاموا عند السفح الشمالي لجبل الجولان.
5) أراميي دمشق. خضعوا مدة لداود (2صم 8:6). بعد هذا ثار رزون بن اليداع على هدد عازر ملك صوبة. ثم جمع جيشًا واحتل دمشق. وفي أيام سليمان، عادى رزون بني إسرائيل (1مل 11 :23-25) وبدأت حرب الاستقلال الارامية. وفي أيام بنهدد، صارت دمشق قوّة يُحسب لها حساب في سورية. خاف منها بنو إسرائيل في الجنوب والأشوريون في الشرق. واحتل حزائيل كل شرقي الاردن حتى ارنون. منذ القرن التاسع راقبت أشور بحذر قوّة دمشق الصاعدة. وحين احتل الأشوريون بابل ووضعوا حدًّا لحرب الجبهتين، وجّهوا قواهم على دمشق. ضمّ تغلت فلاسر كل أرض الاراميين، وفي سنة 734 احتلّ دمشق. ولكن امتد التأثير الارامي كثيرًا على مستوى الحضارة. وسيطرت اللغة الارامية، ففرضت نفسها وصارت اللغة العالمية. وهذا ما حدث أيضاً يوم حوّل الكلدائيون مملكتهم إلى عالم أرامي فوجّهوا السياسة مع السلالة البابلية الجديدة. رج جوزان، بيت عادان.
نُشِرت في اللغات السامية | أكتب تعليق
الساميون اصلهم عرب
كُتب يوم 08/11/2013
هل هناك لغة كردية ام لغات كردية
كُتب يوم 08/08/2013
لغات / لهجات
نزار آغري – أوسلو
نزار آغري (dugir)
هل هناك لغة كردية أم لغات كردية على ما في هذا القول من تناقض ظاهري؟ وهل يتعلق الأمر بلهجات كثيرة تندرج في سياق لغة واحدة أم بكيانات لغوية مستقلة ذات أرواح متمايزة ؟
إنّ المعضلة لا تقوم في التسمية بل هي تتعلق بالتفاعل اليومي على أرض الواقع. فماذا نفعل بجماعات كاملة، يبلغ عدد كل واحدة منها عدد سكان دول برمتها، لا تستطيع أن تتفاهم في ما بينها ؟ وكيف نفسر واقع أن أدباء كل “لهجة” كردية لا يكتبون إلا بها ؟ وكيف تتم ترجمة مؤلفات من اللغة الكردية إلى اللغة الكردية؟ (هناك مؤلفات كثيرة مترجمة من السورانية إلى الكرمانجية وبالعكس، وكذلك الحال في ما يتعلق باللهجات الأخرى). هناك، بالطبع، كثيرون ممن ساعد التجاور الجغرافي في تسهيل التفاهم اللغوي بينهم. ولكن الأمر يتعلق بالضبط بمسألة التجاور لا أكثر، حيث يعمل التعايش اليومي على تعلّم اللغةـاللهجة الأخرى. وهذا شيء يشهده المرء في كل اللغات. وأكراد العراق، مثلاً، يتواصلون مع العرب، بالعربية، مثلما يتواصل كثير من العرب مع الأكراد بالكردية في مناطق التجاور. ويقال الأمر نفسه فيما يتعلق بالأكراد المقيمين في تركيا أو إيران أو سوريا، حيث يصير اكتساب اللغات التركية والفارسية والعربية تحصيل حاصل. ولكن يبقى أن الأمر يتعلق، في الحالات جميعاً، بمنظومات لغوية تستقل عن بعضها بعضاً. ولن أبالغ في القول إذا أشرت إلى أن الكثير من أفراد الجماعات الكردية تجهل لغات بعضها وتتفاهم عن طريق لغة ثالثة ( يتفاهم السوران والكرمانج، في العراق، باللغة العربية. وتتفاهم الجماعات اللورية والكورانية وغيرها، في إيران، باللغة الفارسية. ويتفاهم الزازائيون والكرمانج، في تركيا، باللغة التركية، وهكذا).
ويتجاوز الإختلاف القائم بين المجموعات اللغوية الكردية ما هو قائم في أحوال اللهجات حيث يتعلق الأمر بتنوع في طرق اللفظ وتنويعات على الأداء الصوتي واستبدالات محددة للحروف وفروق في وظيفة بعض المفردات. ففي الواقع الكردي يطال الإختلاف التركيبة البنيوية للغة في مستوياتها النحوية والدلالية. وهناك مجموعات لغوية كردية قريبة جداً، في البناء والمعنى، من اللغة الفارسية، ولو اتبعنا النزعة السائدة تحتم علينا القول أن الفارسية لهجة كردية. إنّ الهوة القائمة بين اللهجات الكردية هي أوسع بكثير من تلك القائمة بين اللغات السويدية والنرويجية والدانماركية، مثلاً، وهذه اللغات التي تنهض من أرومة لغوية واحدة هي أشبه بلهجات مناطقية للغة وا