التعامل مع البخلاء في الاسلام
من هو البخيل ؟
عرف ابن قدامة المقدسي البخيل بأنه الذي يمنع مالا ينبغي أن يمنع اما بحكم
الشرع أو لازم المروءة ومن قام بواجب الشرع ولازم المروءة فقد تبرأ من
البخل لكن لا يتصف بصفة الجود مالم يبذل زيادة علي ذلك وقال بعضهم : الجواد
هو الذي يعطي بلا منّ وقيل هو الذي يفرح بالاعطاء أما حد البخل فهو منع
الواجب
سمات الشخصية البخيلة كما يتضح من كلام علماء الاسلام تتلخص في المغالطة
وخداع النفس والتبرير والخوف والتوتر والقلق من المستقبل وسوء الظن بالله
وكما يقول الجاحظ في كتابه البخلاء عنهم " أنهم يحولون الأمور من معناها
الصحيح فيسمون البخل صلاحا والشح اقتصادا ويصفون المنع بالحزم والمواساة
بالتصنع والجود بالاسراف والايثار بالجهل وينسبون القوة الي من لا يميل الي
الثناء علي الآخرين وكيف أنهم يرغبون في الكسب ويزهدون عن الانفاق ويخشون
زوال النعمة في كل وقت " ثم يبدي الجاحظ تعجبه ممن يتمسك بالبخل رغم تقبيح
الجميع له وتعجبه ممن يعرف عيوبه وما به من شح ثم يعجز عن معالجة نفسه
وتغيير عاداته ( ولمزيد في هذا الشأن ينظر الي كتابي (الذكاء الاجتماعي
منتدي قصة الاسلام والمنتدي النسائي فتكات )
التعامل مع البخيل
1- لا تحزن لخذلان البخيل لك ورفضه مساعدتك وكما يقول د . عائض القرني : لا
تحزن اذا حجبك أحد أو اكفهر في وجهك عبوس أو منعك بخيل " ثم يستشهد علي
موقفه بما لدي السلف من دعوة للتفاؤل الدائم مهما اشتدت الأزمات التي يتعرض
لها الانسان والاستعانة بالصبر والدعاء وأن دوام الحال من المحال وأن مع
العسر يسرا ثم يقول " المحنة كالمرض لابد له من زمن حتي يزول ومن استعجل في
زواله أوشك أن يتضاعف ويستفحل فكذلك المصيبة والمحنة لابد لها من وقت حتي
تزول آثارها وواجب المبتلي الصبر وانتظار الفرج ومداومة الدعاء
2- النهي عن التوجه بالسؤال مطلقا الي البخيل أو اللئيم
هذا رأي الشافعي وذلك لما يبديه البخيل من عبوس وتقطيب للوجه يعكس مدي كراهيته انتفاع ومساعدة الآخرين وقد أنشد في ذلك :
أقسم بالله لرضخ النوي وشرب ماء القلب المالحة
أحسن بالانسان من حرصه ومن سؤال الأوجه الكالحة
وقيل لأعرابي : مالسقم الذي لايبرأ أو الجرح الذي لا يندمل ؟ قال حاجة الكريم الي اللئيم "
3- اذا اضطر الانسان لسؤال البخيل شيئا فليسرع في أمره
ولا يمهل البخيل فرصة للتفكير أو التهرب من اجابته وهذا نستنتجه مما ذكره
الأبشيهي بقوله : " اذا سألت لئيما شيئا فعاجله ولا تدعه يفكر فانه كلما
فكر ازداد بعدا عن اجابة مسألتك وقضاء حاجتك "
4- عدم التسامح مع خذلان البخيل لك
هذا موقف ابن حزم والذي يبرره بقوله : " ان مسامحة أهل الاستئثار
والاستغنام والتغافل لهم ليس مروءة ولا فضيلة بل هو مهانة وضعف وتحبب لهم
علي التمادي علي ذلك الخلق الذميم ( الأخلاق والسير في مداواة النفوس : ابن
حزم ص 155 )
علاج البخل
البخل صفة مذمومة وقد تواردت الأحاديث التي تنهي عن الاتصاف بها من ذلك قول
الرسول صلي الله عليه وسلم : " خصلتان لا تجتمعان في مؤمن : البخل وسوء
الخلق " ومما رواه مسلم عن النبي (ص) قال : اللهم اني أعوذ بك من الجبن
والبخل " وفي رواية أخري قال رسول الله (ص) : اياكم والشح فانه أهلك من كان
قبلكم حملهم علي أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم وفي رواية أخري تكملة
للحديث وهي ودعام فقطعوا أرحامهم "اسناده صحيح وأخرجه أحمد ومسلم
اما عن علاج البخل فهي
1- التربية منذ الصغر علي حب الانفاق وأن يكونا الوالدين قدوة لأبنائهما في
ذلك ويطلعان أولادهما علي سنة الرسول وصحابته في هذا الشأن وجزيل ثواب
الله لمن تحلي بذلك وكما يقول الشافعي : تستر بالسخاء فكل عيب يغطيه
كما قيل السخاء
وفي موضع آخر ينشد مبديا أسفه لمن جاء يسأله شيئا ليس يملكه فيقول
ان اعتذاري الي من جاء يسألني ماليس عندي لمن احدي المصيبات
ومما روي عن فضائل الانفاق قول رسول الله (ص) : الخلق كلهم عيال الله
فأحبهم الي الله أنفعهم لعياله " وقوله أيضأ (ص) : " ماعظمت نعنة الله علي
عبد الا اشتدت عليه مؤنة الناس فمن لم يحتمل تلك المؤنة فقد عرض تلك النعمة
للزوال " وعن الحسن قال رسول الله (ص) : " ان لله عبادا خلقهم لحوائج
الناس تقضي حوائج الناس علي أيديهم أولئك آمنون من فزع يوم القيامة "
وهناك من يحتجون علي عدم تلبتهم لحوائج الآخرين ومسألتهم بأنهم لا يستحقون
وهذا مخالف لسنة النبي (ص) وللمنهج الذي دعانا اليه فقد روي عن علي رضي
الله عنه أن رسول الله (ص) قال له : " ياعلي كن سخيا فان الله تعالي يحب
السخاء وكن شجاعا فان الله تعالي يحب الشجاع وكن غيورا فان الله يحب الغيور
وان امرؤ سألك حاجة فاقضها فان لم يكن لها أهلا فكن أنت لها أهلا "
2- علاج سبب البخل وهو حب المال
فابن قدامة المقدسي جعل سبب البخل هوحب المال وهو بعد أن يقف علي سبب الداء
يضع الدواء والذي يوضحه بقوله : " اعلم أن علاج كل علة بمضادة سببها
فيعالج حب الشهوات بالقناعة والصبر ويعالج طول الأمل بكثرة ذكر الموت
ويعالج التفات القلب الي الولد بأن من خلقه خلق معه رزقه وكم ممن لم يرث
شيئا أحسن حالا ممن ورث فليحذر أن يترك لولده الخير ويقدم علي الله بشر فان
ولده ان كان صالحا فالله يتولاه وان كان فاسقا فلا يترك مايستعين به علي
المعاصي وليردد علي سمعه ماذكر في ذم البخل ومدح السخاء " ولهذا وجدنا بن
قدامة يوصي بالبعد عن الاغترار بكثرة ملذات الدنيا التي ييسرها المال
والحرص عليه والبخل به وذلك لأنه يصاحبها أو يتبعها الحسرة علي فقدانها لأي
عارض يمر بها وانما يجب الاعتدال كما قال تعالي : ( ولا تجعل يدك مغلولة
الي عنقك ولاتبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ) الاسراء : 29 وفي ذلك
يقول : " اعلم أنه اذا كثرت الأموال في الدنيا كثرت المصائب بفقدهافمن عرف
آفة المال لم يأنس به ولم يأخذ منه الا قدر حاجته وأمسك ذلك لحاجته فليس
ببخيل " (مختصر منهاج القاصدين )