دبر النمروذ أمره بأن يلقي سيدنا إبراهيم في النار وبدأو التجهيزات لذلك ، وأخذوا يجمعون الحطب واستمروا في جمعها لمدة ستة أشهر حتى أن المرأة التي كانت تتعسر في وضعها كانت تنذر أنها إذا وضعت تحضر حطباً لإحراق إبراهيم والتي مرض ولدها تنذر أنه إذا شفى تجمع الحطب لحرق إبراهيم حتى جمعوا حطباً يحرق مدينة من الناس وليس رجلاً وإن كان سماه الله أمة
{إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} النحل120
ثم أوقدوا النار وأشعلوها وبعد اشتعالها لم يستطيعوا أن يقتربوا من النار لشدة حرارتها وقالوا كيف نلقيه فيها ونحن لا نستطيع أن نقترب منها وإذا بإبليس اللعين ينزل في صورة آدمية ويرشدهم لعمل المنجنيق وهي آلة كالمقلاع تقذف الأشياء لأماكن بعيدة ووضح لهم كيف يضعوه فيها بأن يصعدوا على قمة جبل ومعهم المنجنيق ثم يضعوا فيه إبراهيم بعد تكتيفه بالحبال ويقذفونه في وسط النيران
وهنا ضجت ملائكة السموات يقولون: {يا ربنا عبدك إبراهيم لا يعبدك في الأرض سواه فما كان من الجليل إلا أن قال لهم: إذا كان قد استعان بكم فأعينوه أي فهل استغاث بكم؟ فقال سيدنا إسرافيل: يا ربَّ مرني أن انزل الأمطار على النار لتطفأها على الخليل ، فقال الجليل عز وجل: إذا استغاث بك فاغثه
وقال الأمين جبريل: يا ربَّ عبدك إبراهيم. قال: انزل فإذا سألك حاجة فاعطها له ، فنزل جبريل على إبراهيم وقال يا خليل الله ألك حاجة؟ قال: أما إليك فلا ، قال: إذا كانت إلى الله فاطلبها من الله أبلغها إلى الله ، فقال: علمه بحالي يغني عن سؤالي
فوضع جبريل إصبعه في الأرض فنبعت عين ماء ومد يده في الجنة فجاء بشجرة تفاح ووضعها بجوار الماء وجاء بأريكة من الجنة وفرشها بجوار الماء تحت الشجرة وكان في النار كما قال لها الواحد القهار
{كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} الأنبياء69
فلم تحرق النار إلا أحباله وقيوده التى قيدوه بها حراً فريداً يجلس على الأريكة في ظل الشجرة يأكل التفاح ويشرب الماء ويذكر الله عز وجل لمدة شهرين كاملين في هذه النار حتى اطفأت فقد استمرت موقدة لمدة شهرين كاملين .
ولكن القوم عندما رأوه تعجب
قال النمروذ في جبروته وعتوه: من تعبد يا إبراهيم؟ قال: أعبد الله عز وجل ، قال: إنه إله كريم يستحق أن اذبح له مائة بدنة فنحر مائة بقرة لله ولكن الله لم يتقبلها منه لأنه لم يؤمن بالله عز وجل ن قال الخليل: إن الله لا يريد بدناتك ولكن يريد أن توحده ويريد أن تعبده ويريد أن تعرفه وهو غني عنك وعن بدناتك جميعاً واستمر يدعو الله ويدعو هؤلاء القوم إلى عبادة الله عز وجل ولكنه في النهاية زاد غرورهم وعتوهم بل إنهم في النهاية أصدروا أمراً بطرده من البلاد فقال
{إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} الصافات99
هذا الخليل ألقى جسمه في النيران وقدم ولده قرباناً لحضرة الرحمن وكان ماله كله للضيفان حتى أن الرحمن يحكي لنا أنه جاءه رجلان فماذا فعل؟ اثنين يكفيهما نصف دجاجة لكنه كما قال الله
{جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} هود69
جاء بعجل سمين ، جاء بعجل حنيذ يعني مشوي شواه لهم لأنه كان كريماً مع الله عز وجل ، فقالوا له: يا إبراهيم لا نأكل طعامك إلا إذا دفعنا الثمن ، قال: الثمن الذي أطلبه منكم أن تذكروا الله أوله وتحمدوه في آخره ، فقالوا: صدق من سماك الخليل
بل أنه مشى ذات يوم وقد تعجبت ملائكة الله من أحواله، فاختار الله منهم نفراً وأمرهم أن ينزلوا لاختباره بعد أن نما ماله وكان كثير وكثير فنزلوا وذكر واحد منهم الله بصوت شجي يطرب السامعين فقال الخليل: أعد علي ذكر الله الذي ذكرته آنفاً ، قال: لا أعيد حتى تعطيني ما أريد ، قال: وماذا تريد؟ قال: تعطيني وادياً مملوءاً بالغنم من أغنامك وكان له وديان كثيرة مليئة بالأغنام لأنه أبو الضيفان كما سماه الرحمن عز وجل
فماذا قال للملك؟ قال: اسمعني ذكر ربك ولك كل ما ملكت من أودية مملوءة بالجمال أو الأبقار أو الأغنام فضجت الملائكة في السموات وقالوا: صدق الله إذ سماك الخليل ، لأنه مع أن الله أعطاه المال الكثير إلا إنه لم ينشغل به عن ذكر العلي الكبير عز وجل
اختبره الله بعدم الإنجاب فلم ينجب إلا بعد ثمانين عاماً مضت من عمره ولم يتغير ولم يتبدل ، اختبره الله في زوجه حيث سلط عليها فرعون مصر ولكنه لم يتغير قلبه ، اختبره الله بعد أن أعطاه الولد بعد هذا العمر الطويل وأمره بأن يبعده ويضعه في مكان قفر لا زرع فيه ولا ضرع فيه ولا ماء فيه ولا أنيس فيه وهو في كل ذلك لا يتغير قلبه طرفة عين عن خالقه وبارئه عز وجل
فما كان من الله بعد أن نجح في كل هذه الابتلاءات ونجا من كل هذه الامتحانات إلا أن جعله أباً لنا ولمن قبلنا ولمن بعدنا ووفقه الله لأعمال الفطرة التي لم تظهر إلا على يديه ، كيف ذلك؟
كان أول من اختتن من الرجال واختتن وهو ابن مائة وعشرون عاماً بقادوم بعد أن أمره الله بالاختتان ، والاختتان يعني الطهارة وكان أول من نظف فاه ، وكان أول من استنشق بالماء وأول من لبس السراويل يعني ساتر العورة والبنطلونات حتى لا تظهر عورته
وأول من ظهر الشيب في رأسه فقال: ما هذا يا رب؟ قال: هذا وقار يا إبراهيم ، قال: يا ربَّ زدني وقاراً ، قال: يا إبراهيم إني استحي من رجل شاب في الإسلام أن أعذبه بالنار، وكان عليه السلام أول هذه الأمة في حج بيت الله الحرام كما أمر الملك العلام فهو الذي بنى البيت وهو الذى نسك مناسك البيت
وكلما طاف الحجيج بالبيت وكلما سعوا بين الصفا والمروة وكلما وقفوا على عرفات وكلما رموا الجمرات وكلما شربوا من زمزم تذكروا بذلك إبراهيم الخليل وولده إسماعيل وزوجته هاجر وذلك كله تكريماً لإبراهيم عليه السلام لأن الله عز وجل اختاره واصطفاه
قال صلى الله عليه وسلم عندما قيل له أنت أكرم الخلق على الله قال:
{ذاك إبراهيم عليه السلام إنَّ الكَرِيمَ ابْنُ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ ابنِ الكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بنِ إسْحاقَ بنِ إبراهِيمَ خَلِيلِ الرَّحْمنِ عَزَّ وَجَلَّ}{1}
وقال صلى الله عليه وسلم:
{أَوَّلُ مَنْ يُكْسَىٰ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قُبْطِيَّتَيْنِ ، ثُمَّ يُكْسَىٰ مُحَمَّدٌ حُلَّةً حَبِرَةً وَهُوَ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ}{2}