تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :المسؤولية ليست عص تادب به من هم اضعف منك رتبة السلطة لا تدوم
انا هنا شفت بعض المسؤوليين يستخدمون الاشراف سلح في يدهم ليرهب به
و يتسلطون على الاعضاء و يحتقروهم نتمنى دووم لهم السلطة
هذا موضوع عن مساوئ السلطة و التسلط على البشر
هناك ما يسمى بالأمراض المهنية , تلك الأمراض التى يصاب بها أصحاب مهنة معينة نتيجة تعرضهم لمخاطر ممارسة هذه المهنة خاصة إذا مارسوها لفترات طويلة , فمثلا يصاب عمال المناجم والمحاجر بأمراض الصدر , ويصاب الفلاحون بالبلهارسيا ويصاب الجراحون بالإلتهاب الكبدى ..... وهكذا , وبناءا على هذا يبرز تساؤل : ما هى الأمراض التى يمكن أن تصيب أصحاب السلطة ؟ وماهى تداعيات هذه الأمراض عليهم وعلى من هم تحت سلطتهم ؟ وما هى وسائل الوقاية والعلاج من هذه الأمراض ؟
أذكر زميلا قابلته حين كنت أعمل فى السعودية وتزاورنا مرات عديدة وترسخت علاقتنا ثم كلل هذا بأن ذهبنا للحج سويا وقضينا يوما من أجمل أيام عمرنا على عرفات وكان طيبا وودودا , ومرت سنوات وافترقنا , ثم إذا بى ألتقى به فى مصر فأندفعت نحوه بحرارة العلاقة السابقة ودفئها لأسلم عليه كما اعتدنا من قبل ولكننى فوجئت به يستقبلنى ببرود ولمحت فى عينيه تعاليا وسلم على بأطراف أصابعه وتحدث من أنفه ولست أذكر من كلامه شيئا إلا قوله بأنه أصبح رئيسا للقسم فى تخصصه , وكانت هذه – بحمد الله – آخر مرة ألقاه فيها .
شاب آخر عرفته منذ كان صغيرا وهو من أسرة طيبة وتربى على أخلاقيات عالية وعمل ضابط شرطة فى أحد الأماكن , وجمعتنى به الظروف فى مكان عمله فلا حظت استخدامه لألفاظ نابية لم أعهدها فيه من قبل , وكأنه فهم ما يدور فى ذهنى فبادر بتبديد حيرتى قائلا : " ما علهش يا دكتور أصل دول عيال ولاد .... ما ينفعش التعامل معاهعم بالذوق , الواحد فيهم أمه ....... وييجى يعمل لنا فيها محترم , دول ما يجوش إلا بضرب الجزمة " , ففزعت من هذا التغيير , ولم أدر أأعذره أم ألومه , ولكن المؤكد أننى فضلت عدم اللقاء به بعد ذلك .
شغلنى التغيير الذى لاحظته على هذين الشخصين وغيرهما من أصحاب السلطة فى مستوياتها المختلفة , وفهمت عزوفى عن الإقتراب من أى صاحب سلطة حتى ولو كان من أعز أصدقائى , وحاولت أن أجد تفسيرا علميا لما يحدث للناس حين يصبحون فى موقع سلطة , وكان أقرب شئ يعطينى تفسيرا سريعا هو نظرية المجال التى مفادها أن الإنسان يختلف باختلاف المجال الذى يتواجد فيه , وبما أن المجال السلطوى يحوى " فولتا " عاليا ومجالا مغناطيسيا هائلا , وهالة مبهرة لذلك نتوقع تغييرا فى الشخصيات التى تتواجد داخله خاصة إذا كانت القيمة الحقيقية لهذه الشخصيات متدنية فهى فى هذه الحالة تفقد ثباتها الضعيف من البداية , ولكى أقرب لك عزيزى القارئ هذه الفكرة تذكر أى يوم حاولت فيه الإقتراب من شخصية مهمة وتذكر كيف كنت تشعر بأن الجو مكهرب فى الدائرة المحيطة بهذه الشخصية , تلك الدائرة التى يزداد اتساعها بقدر أهمية سلطته .
وقد انشغل عالمان كبيران بدراسة هذا الأمر فحاول نيقولا مكيافيلى تصور سيكولوجية السلطة من خلال كتابه " الأمير " , وحاول جوستاف لوبون تصور سيكولوجية الجماهير (الخاضعة للسلطة ) من خلال كتاب " سيكولوجية الجماهير " , وقد صدم العالمان الوعى الإنسانى العام بما كتباه , حيث صور مكيافيلى سلطة الأمير منقطعة الصلة عن أى قواعد أخلاقية وأطلق مبدأ "الغاية تبرر الوسيلة " ورأى أن السلطة دائما قاسية وغاشمة وظالمة ومستغلة وأن هذا من حقها ولو لم تفعل ذلك لاستضعفتها الجماهير وسحقتها , وصور جوستاف لوبون الجماهير على أنها كائن غير منطقى يميل للإستهواء والإستلاب وتتحكم فيه عواطفه واحتياجاته البدائية وأن هذا الكائن الجماهيرى حين يثور يصبح أكثر عدوانا وطغيان من الفرد .
ولكى نفهم أمراض السلطة سنضطر للعودة قليلا للوراء لكى نفهم خصائص السلطة وأنماطها .
الخصائص النفسية للسلطة :
هناك خصائص نفسية مشتركة لا تكاد تخلو منها أى سلطة نذكر منها :
1- الرغبة فى الإستقرار والإستمرار
2 – الرغبة فى خضوع الآخرين وكسب ولائهم
3- الهاجس الأمنى الذى يجعل السلطة فى حالة خوف وحذر واستنفار
4- الضيق بالمعارضين ودفعهم بعيدا عن دائرة النفوذ والتأثير
5- العناد والكبر
6- الميل للإنتقام ممن يهدد أو يظن أنه يهدد استقرار أو استمرار أو هيبة السلطة
7 – الإذدواجية ( الإنفصام ) : بمعنى أن السلطة تعلن مبادئ معينة تبدو براقة ومثالية وعادلة وفى ذات الوقت تخفى أنانيتها وحرصها الشديد على مصالحها الذاتية , وهو ما يعرف بالفجوة بين الأيدولوجية والسيكولوجية , فالسلطة تصدر للجماهير شيئا وتحتفظ لنفسها بشئ آخر , وبمعنى آخر فإن السلطة رسميا مع الأيدولوجية المثالية المعلنة ونفسيا مع مصالحها الذاتية.
كيفيات ممارسة السلطة :
ذكر جون كينيث فى كتابه "تشريح السلطة" أن هناك ثلاث كيفيات لممارسة السلطة هى باختصار:
1- الكيفية القسرية : وهى تقوم عل العنف والقهر والترويع للرعية حتى تحكم السلطة قبضتها عليها دون أى احترام أو تقدير لإرادة هذه الرعية , بل على العكس تنظر السلطة إلى الرعية باحتقار واستخفاف وتجاهل . وهذه السلطة تميل إلى استخدام قوانين الطوارئ وإلى تقوية أجهزة الشرطة والجيش وإلى استعراض القوة فى كل مناسبة وحتى بغير مناسبة , ويصبح الجهاز الأمنى هو صمام الأمان ومبرر الوجود لهذه السلطة , وبالتالى لا تهتم بالحوار مع الجماهير أو محاولات إقناعهم أو استمالتهم أو إرضائهم بالوسائل السياسية أو غيرها , وإنما هى دائما تستخدم الحل الأمنى بشكل مفرط . وهذا هو أكثر أشكال السلطة بدائية ووحشية وغباءا , وهذا النمط منتشر بكثرة فى دول العالم الثالث المتخلفة .
2- الكيفية التعويضية : هذه السلطة تنال رضا شعبها عن طريق المكافآت المادية وفرص الرفاهية والإستهلاك وبعض الحرية الفردية , فكأنها تشترى ولاء الشعب برشوته ببعض التعويضات المادية , وتنتشر هذه الكيفية فى الأنظمة الرأسمالية الليبرالية .وهذه السلطة تسرق إرادة شعبها ولكن بصورة أكثر قبولا حيث تخلو من العنف والإذدراء .
3- الكيفية التلاؤمية : وهى تعنى تبادل الرأى واحترام كل طرف للآخر واللجوء للتثقيف والإقناع والحوار الحقيقى , ووجود حالة من الشفافية والتعددية الحقيقية , والتوازن بين السلطة والشعب .
أنواع الأنظمة السياسية :
يمكن تقسيم الأنظمة السياسية إلى نوعين رئيسين :
1- أنظمة الطفرة : وهى أنظمة تتشكل فى ظروف غير طبيعية ( كانقلابات عسكرية أو تعيين أو توريث ) وكأنها تأتى بالمصادفة , وهذه الأنظمة تكون غير منطقية وتصرفاتها غامضة وفجائية وغير مفهومة , فهى تخضع لمزاج فرد على رأس السلطة , ولايمكن التنبؤ باتجاهاتها أو قراراتها , وهى دائما فى حالة تخبط واضطراب وتنتقل من فشل إلى فشل حتى تصل إلى الإنهيار. والسلطة فى هذه الأنظمة هى سلطة الفرد أو سلطة السلطة أو سلطة الطغيان والإستبداد .
2- أنظمة الإستقرار : وهى أنظمة قامت على قواعد ديموقراطية سليمة حيث تم انتخابها بشكل طبيعى من الشعب , وهى تعمل طبقا لدستور حقيقى تحترمه ( ولا تغيره حسب رغبتها واحتياجاتها) , كما أنها تستند إلى مؤسسات حقيقية تضمن ثباتها برغم تغير الأشخاص , وهذه الأنظمة تقوم عل الإرادة الجماعية للشعب ومؤسساته وتضمن تداول السلطة بشكل سلمى لذلك تتجدد دماؤها من وقت لآخر بشكل صحى بعيدا عن المغامرات والمهاترات . ويستطيع المراقب لهذه الأنظمة أن يفهم كيف تسير ويتوقع خطواتها واتجاهاتها لأنها سلطة منطقية شفافة وشريفة ومتناسقة مع أهدافها وغاياتها ومع مصالح شعوبها .والسلطة فى هذه الأنظمة هى سلطة الإدارة القائمة على الدستور والقانون .
أنماط السلطة :
ويمكن تصور أنماط السلطة بطريقة أخرى كالتالى :
1- السلطة المنطقية : وهى قائمة – كما ذكرنا – على أسس واضحة ومفهومة
2- السلطة غير المنطقية : وهى تتسم بالغموض والعشوائية وعدم الإتساق
3- السلطة الأبوية : وفيها يعتبر صاحب السلطة نفسه أبا للرعية وفى نفس الوقت ينظر لرعيته على أنهم أطفال قاصرين لا يعرفون مصلحتهم , ولذلك لا يتورع عن إلغاء إرادتهم ( من خلال حكم مستبد ) أو تزييف إرادتهم ( من خلال انتخابات وهمية تحقق لصاحب السلطة أهدافه باسم الشعب ومن خلال إجراءات شبه ديموقراطية مزيفة )
4- السلطة الفرعونية : وفيها يشعر الحاكم بملكية الوطن وملكية الشعب والأحقية المطلقة فى التوجيه والتصرف , وهذه السلطة يصورها فرعون بقوله : " أليس لى ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتى " ... وقوله " ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد " وقوله "ما علمت لكم من إله غيرى "
5- سلطة السلطة : وهى تقوم على شرعية القوة الشرطية والعسكرية
6 – سلطة الفرد : وفيها يتحكم فرد فى كل شئ ويمسك بكل الخيوط , ويلعب بقية الناس أدوار الكومبارس أو السكرتارية
6- سلطة الإدارة : وهى تقوم على مؤسسات حقيقية معبرة عن إرادة الجماهير , وتوجد آليات حقيقية لمراقبتها ومحاسبتها و
مسارها وتجديدها من وقت لآخر بطرق سلمية
أمراض السلطة :
حاولت البشرية على مر العصور ومن خلال تجاربها المريرة والمؤلمة أن تتجنب أمراض السلطة ومساوئها , وقد نجحت إلى حد معقول فى ذلك حين اتجهت إلى أنظمة الإستقرار وإلى سلطة الإدارة وإلى السلطة المنطقية , ولذلك فالأمراض التى سنذكرها ستكون بالطبع لصيقة بالنظم غير المنطقية وبسلطة السلطة وسلطة الإدارة والسلطة الأبوية والسلطة الفرعونية وأنظمة الطفرة :
* الهاجس الأمنى :
أى سلطة يشغلها الجانب الأمنى , ولكن يزداد هذا الإنشغال حتى يصل إلى أقصى درجاته لدى السلطة غير المنطقية ولدى السلطة الفرعونية ولدى سلطة السلطة , والسبب فى ذلك هو أن هذه الأنواع من السلطة تشعر فى دخيلة نفسها أنها اغتصبت شيئا هاما من الجماهير لذلك فهى تتوجس خيفة من هذه الجماهير ولا تصدق مظاهر ولاءها لأنها تعلم يقينا أنها مظاهر كاذبة وأن الجماهير تتمنى اللحظة التى تزول فيها السلطة سواءا بأيديها أو بأيدى القدر , ولذلك تأخذ السلطة احتياطات أمنية كثيرة ومبالغ فيها تتناسب مع قدر خوفها من الجماهير وعدم ثقتها بها أو احتقارها لها , فالسلطة التى تحتقر الجماهير تبالغ كثيرا فى الحلول الأمنية والإحتياطات الأمنية فهى ترى فى هذه الجماهير بوادر الخداع والغدر كما أنها ترى هذه الجماهير غير جديرة بالحوار السياسى أو الثقافى وإنما هى تستحق التأديب بعصا غليظة متمثلة فى بطش الجهاز الأمنى لأى نبضة تبدر من هذه الجماهير , فهذه السلطة ترى فى الجماهير أكبر عدو يتربص بها ولذلك تعد العدة لمقاومته وقهره ولا تدع له فرصة يفيق فيها أو يستعيد عافيته أو وعيه . وإذا حدث وخرج أحد من هذه الجماهير عن النص المسموح به فإن السلطة تواجهه بكل قسوة ( حتى لو أدى ذلك إلى تشوه صورتها فى الخارج أو اتهامها بأنها ضد حقوق الإنسان ) لأن ذلك يعطى العبرة للآخرين فلا يحاولون تهديد السلطة بعد ذلك , لأنهم يعرفون وسائل العذاب الرهيبة التى تملكها السلطة لكل من يخرج عن الإطار المرسوم , والسلطة فى هذه الحالة تسعد ربما بنشر حوادث التعذيب وانتهاك الشرف للمعارضين وذلك لبث الرعب فى قلوب الباقين فيلزمون الصمت للأبد .أما الأثر الخارجى لهذه الممارسات فتعرف السلطة كيف تخفف من حدته ببعض التنازلات أو الرشاوى السياسية .ومن علامات اشتداد الهاجس الأمنى كثرة عدد المنتمين للأجهزة الأمنية وكبر حجم الإنفاق على الجهاز الأمنى من مرتبات ومعدات وأجهزة تنصت ومراقبة وتعذيب , وتجنيد عملاء سريين فى كل مكان ينقلون لها كل شئ يدور بين الناس خاصة فى أماكن التجمعات .وجهاز الشرطة حين يستعين بهؤلاء العملاء السريين والعلنيين يصبح عليه دفع فاتورة لهم لضمان استمرار تدفق المعلومات وضمان الولاء , والفاتورة تتمثل فى تعيين هؤلاء العملاء فى أماكن وظيفية مهمة , وشيئا فشيئا يحدث تغلغل سرطانى لهؤلاء العملاء بما يحملونه من صفات سيئة تساعد على تنامى الفساد بشكل كبير .
والسلطة فى هذه الأنظمة كثيرا ما تقوم تقوم بعمليات استباقية هدفها إجهاض أى محاولة حقيقية أو متخيلة لتجمع الجماهير الغاضبة أو المطالبة بحقها أو المتمردة على ظلمها , فتلجأ فى سبيل ذلك إلى إصدار القوانين التى تحول دون تكون كتلة جماهيرية تكون قادرة فى الحاضر أو المستقبل على تحريك الجماهير ضدها أو تكون نواة لتجمعات خطرة من وجهة نظر السلطة , وتحظر التجمعات والمسيرات وتستخدم قوانين الطوارئ والأحكام العرفية التى تسمح بالحركة السريعة للسيطرة على أى بادرة تجمع أو تظاهر . وقد يتم تقسيم الميادين أو الشوارع بحواجز حديدية للحيلولة دون تكون كتل كبيرة من الناس , وربما يتم تقسيم المدن والأحياء بناءا على هذه الإعتبارات الأمنية . فالسلطة تعرف جيدا سيكولوجية الجماهير وتعرف أنها ربما يطول سكوتها وخضوعها ولكنها حين تنتفض تجرف فى طريقها كل شئ , فالجماهير فى حالة ثورتها وانتفاضتها تصبح كيانا غير عاقل لايستطيع أحد التحكم فيه أو كبح جماحه , فالجماهير حين تستشعر الظلم أو الطغيان أو إهدار الكرامة قد تسكت لبعض الوقت ولكنها عند نقطة معينة تنفجر انفجارا مفاجئا ( أو يبدو مفاجئا ) فتتحول هى الأخرى إلى طغيان مقابل قد يدمر السلطة ويمتد أثره التدميرى لأبعد من السلطة , فالغضب الجماهيرى يكون مثل الطوفان لا يعرف أحد أين سيتوقف ومتى , فبركان الغضب يسعى نحو التدمير والتغيير ولا يوجد ميزان حساس فى هذه الظروف يوائم بين قدر التدمير للأبنية السلطوية القائمة والمرفوضة وبين قدر التغيير المطلوب , ويزداد الخطر أكثر حين يكون انفجار الجماهير بغير قيادة, أى انفجار عشوائى منفلت يحدث تحت تأثير ضغط وقهر فاقا الإحتمال فانفجرت براكين الغضب دون ترتيب سابق ودون هدف محدد غير الإنتقام ممن قهرها أو سحقها أو خدعها . وهناك أمثلة كثيرة لانتفاضات الجماهير حدثت بصور مفاجئة وأحدثت تغييرات جذرية , وقد قفزت هذه الإنتفاضات فوق حواجز أمنية أسطورية مثل ما حدث فى إيران وفى ألمانيا الشرقية ورومانيا وبولندا وغيرها .وعلى الرغم من وجود الخوف لدى الناس كأفراد إلا أنهم فى حالة تجمعهم فى مسيرات أو مظاهرات يقل هذا الخوف ويصل أحيانا إلى درجة التلاشى كما يزداد الإحساس بالظلم والإحساس بالكرامة المنتهكة فتنطلق الكتلة الجماهيرية لا تعبأ بأى محاذير أو حسابات فمجموع الأفراد فى هذه الحالة يكونون فى حالة استلاب وقابلية شديدة للإيحاء والإستثارة فإذا ظهرت قيادة لها تأثير كاريزمى فى هذه اللحظات الحرجة فإنها تأخذ الجماهير إلى حيث تريد بشرط أن يكون ذلك فى اتجاه التغيير والإنتقام اللذان خرجت من أجلهما الجماهير.
وللسلطة أساليب متنوعة أخرى فى منع تكون أى تجمع حزبى أو جماهيرى مؤثر , ومن هذا قيامها بزرع عملاء داخل أى تجمع محتمل وتكون وظيفة هؤلاء الرصد لأى نبضة حركة وفى ذات الوقت ربما يقومون بعملية تفجير للتجمع من الداخل وذلك بإثارة الخلافات أو إحداث تيارات فى اتجاهات متشتتة . والمهم لدى السلطة دائما هو عدم تكون مايسمى بالكتلة الجماهيرية الحرجة تلك الكتلة القادرة على إزاحة النظام أو الضغط عليه ضغطا شديدا .
*تزييف الوعى : فالسلطة غير المنطقية أو غير الشرعية أو المستبدة لاتستطيع الإستمرار لفترات طويلة إلا إذا قامت بعمليات تزييف للوعى الجماهيرى فهى تريد أن تشكل هذا الوعى لكى يقبل منظومة السلطة وتوجهاتها ومصالحها دون الحاجة إلى الإفراط فى استخدام القمع الأمنى , لذلك تشكل أجهزة الدعاية والإعلام لدى السلطة الجناح الآخر لبقائها ( بجانب الجناح الأمنى ) , فتقوم هذه الأجهزة بالمبالغة فى إظهار إنجازات السلطة وتبرير أفعالها وتحويل هزائمها إلى انتصارات تاريخية كما تقوم بإضفاء صفات البطولة والحكمة والتضحية على رموز السلطة وتضع صورهم وتماثيلهم فى كل مكان ( وهو ما يسمى فى علم النفس : الإعلان بالغمر أو الإعلان بالتكرار والإلحاح ) فحيثما ذهبت يطالعك وجه القائد أو الزعيم أو تطالعك أقواله وإنجازاته وتوجيهاته . وتنجح عمليات تزييف الوعى أكثر فى المجتمعات ضعيفة الثقافة التى لا تملك عقلية نقدية تزن بها الأمور , تلك المجتمعات القابلة للإيحاء والإستهواء والتنويم والتغييب , تلك المجتمعات العاطفية التى يسهل تحريك مشاعرها فى الإتجاه الذى تريده الأدوات الإعلامية للسلطة . غير أن هذا التزييف يتراكم فيحجب الحقيقة عن السلطة وعن الجماهير ثم يجد الناس أنفسهم فى حالة من الإضطراب وتكرار الكوارث والهزائم على الرغم من الوعود والبيانات الوردية المتفائلة , وهنا يقترب الخطر حين تكتشف الجماهير أنها تعرضت لحالة من الخداع المنظم خاصة وهى تعيش حياة تعسة كل يوم تكذب كل ما تبثه الآلة الإعلامية , عندئذ تشعر الجماهير بالغضب لسببين : الأول هو خداعها واللعب بها والثانى هو شقاءها الذى تعيشه فى كل لحظة , عندئذ تحدث الإنتفاضة أو يحدث الإنفجار طالبا بالثأر ممن خدعوا وزيفوا وأفقروا . وهناك إرهاصات لفشل عمليات تزييف الوعى منها لا مبالاة الجماهير بما تقوله أجهزة إعلام السلطة أو التندر وإطلاق النكات عليها أو الإنصراف عنها والبحث عن مصادر أخرى لمعرفة الحقيقة خاصة فى أوقات الأزمات .
* الإدعاء : فصاحب السلطة شيئا فشيئا يفقد تلقائيته ويتورط فى سلوك ادعائى غير طبيعى وبعيدا عن الصدق والأصالة ولذلك يفقد تعاطف الناس معه وإحساسهم به , وتزيد صفة الإدعاء كلما زادت الأطماع فى استمرار السلطة أو توريثها لأن صاحب السلطة هنا يريد أن يشكل وعى وتفكير الجموع فى اتجاه مصالحه الخاصة فيلبس قناعا يراه مناسبا لتحقيق هذا الهدف . ولذلك كلما رأيت الشخص يبالغ فى ادعائه تعرف تلقائيا أنه يريد تحقيق مصالح خاصة باستخداكم مبادئ أو شعارات عامة .
* العزلة : فكلما ابتعدت السلطة عن الشرعية والعدل وكلما طال التشبث بها زادت العزلة لأن صاحب السلطة يشعر فى أعماقه بما يدور فى أعماق الجماهير من رغبة فى الإنقضاض عليه لذلك يزيد باستمرار من احتياطات الأمن والسلامة خاصة إذا تكررت محاولات الإغتيال , ومن هنا تبدأ العزلة , وهى ليست فقط عزلة جسدية بمعنى وجود حواجز متعددة تحول بين الجماهير وصاحب السلطة ولكن أيضا عزلة شعورية بمعنى وجود هوة بين مشاعر وأفكار واحتياجات الطرفين , وهذه الهوة تزداد يوما بعد يوم حتى تصل إلى الحالة الحرجة التىيفقد فيها كل طرف إحساسه بالآخر وهنا تحدث حالة من الغربة والإغتراب بين الجماهير والسلطة .
* تضخم دافعى التملك والخلود :إن دافعى التملك والخلود من أقوى الدوافع فى النفس البشرية , وقد عرف إبليس هذه الحقيقة مبكرا وحاول الإستفادة منها عندما أراد أن يغوى آدم فقال له مغريا إياه بالأكل من الشجرة المحرمة : " هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى " ( طه 120 ) " وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين " ( الأعراف 20 ) . وفعلا نجح الإغواء لآدم من هذا الطريق على الرغم من التحذير الإلهى له " ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين " ( البقرة 35 ) , وعلى الرغم من إتاحة فرص التنعم المتعددة فى الجنة , وهذا يدل على قوة هذين الدافعين وعمقهما فى النفس البشرية , وعلى أنهما نقطتى ضعف يسهل الإغواء عن طريقهما . ويبدو أن هذين الدافعين يكونان متضخمين فى نفس الشخص الساعى للسلطة أو المتشبث بها فهو لا يشبع من التملك ودائما يسعى إلى الخلود فى الدنيا وينكر فى أعماقه فكرة الموت . وكلما ا تسعت دائرة نفوذه وانتشرت صوره وتماثيله فى كل مكان كلما انزلق إلى الإعتقاد بفكرة خلوده , ولو أصابه المرض أو أدركته الشيخوخة وأيقن بفكرة موته فإنه يتمسك بملكه ويتعلق بخلوده من خلال أبنائه فيحرص على توريثهم كل ما استطاع أن يتملكه فهم امتداد لذاته , وهذه هى سيكولوجية الأنظمة التى تقوم على فكرة التوريث حفاظا على بقاء الملك وخلود الذكر . وقد وقع فى هذا صحابى مثل معاوية رضى الله عنه حين حارب عليا رضى الله عنه من أجل الخلافة وحين حرص بعد ذلك على توريث ابنه يزيد رغم ماكان يعرفه عنه من سلوك ينافى احتياجات هذا المقام . ومن سنن الله فى الكون أن كل من يتعلق بالملك أو الخلود يزول منه لأن الملك لله وحده والخلود له وحده , وحين سعى آدم نحو الملك الذى لا يبلى والخلود ابتلاه الله بالحرمان من الجنة بل والحرمان مما يستره من الملابس " فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءاتهما " ( الأعراف 22 ) , وهذا يحدث مع كل من تخدعه ذاته أو يخدعه شياطين الإنس أو شياطين الجن بفكرة الخلود أو الملك الذى لا يبلى حيث يبتلى بضياع الملك ويبتلى بالطرد من الجنة التى عاش فيها وظن أنها لا تزول .
* الرعب الدفين مما بعد السلطة ومحاولة استبعاد ذلك الإحتمال : فصاحب السلطة يرتعد خوفا كلما مر بخاطره لحظة فقدانه لسلطاته وخروجه من دائرة التحكم والسيطرة وما يصاحب ذلك من فقد اهتمام الناس وتزلفهم له ومن المزايا الهائلة التى كانت تتيحها السلطة , يضاف إلى ذلك شماتة أعدائه أو محاولات الإنتقام من جانب أناس كثيرون ظلمهم وقهرهم , أو محاولات الحساب له على ما ضيع وأهدر وسلب فى فترة وجوده بالسلطة , لذلك يصعب على الكثيرين من أصحاب السلطة ترك سلطتهم طواعية وذلك لما يعرفونه من عواقب ما بعد السلطة خاصة إذا كانت هذه السلطة غير شرعية أو غير منطقية أو مستبدة . أما فى النظم الديموقراطية فلا يوجد مثل هذا الرعب حيث يعرف صاحب السلطة مقدما حدود سلطته زمنا ومساحة ويعرف حتمية خروجه من السلطة طبقا للدستور ( الذى لا يتغير لبقائه فى السلطة حين يريد ) وتتم محاسبته أولا بأول فيخرج من السلطة بالطرق السلمية المعتادة فى المجتمعات الديموقراطية الحرة لينعم بحياته الشخصية والعائلية بعيدا عن أعباء السلطة وقيودها وهو يشعر أنه خدم بلده فى الفترة التى قضاها فى السلطة ومن حقه الآن أن يخلو إلى نفسه أو إلى أسرته أو يمارس أعمالا خيرية أو ثقافية , وهكذا تمر الأمور بسلام دون شماتة أو انتقام .
* تضخم الذات : يسعى إلى امتلاك السلطة والتشبث بها نوعان من الشخصيات هما الشخصية البارانوية والشخصية النرجسية وكلاهما لديه مشكلة مع ذاته , فالشخص البارانوى يشعر بالدونية وباحتقار الآخرين له ومحاولاتهم اضطهاده وسحقه وتدميره ( هكذا يعتقد ) لذلك فهو لا يثق بأحد ويتوقع السوء من أقرب الناس إليه ويشعر فى بدايات حياته بالظلم والإضطهاد وينظر إلى الناس بعين الشك ويسئ الظن بهم ويتوقع منهم الإيذاء والتآمر ضده , ويفسر أقوالهم وأفعالهم على محمل سئ ويأخذ حذره منهم ويبالغ فى ذلك , ونراه مفتوح العينين مستنفر القوى طول الوقت لأنه يتصور أن الخطر يحوطه من كل مكان , لذلك يسعى لامتلاك أدوات القوة ويسعى بكل ما يملك نحو السلطة عساها تحميه من غدر الناس وتعطيه القوة والسيطرة على هؤلاء الأوغاد المتآمرين (الناس – كل الناس ) . لذلك فصاحب هذه الشخصية لا يضيع وقتا فى أشياء جانبية تعطله عن هدفه . وهو لا يعرف قانون الحب وإنما يعرف التسلط والسيطرة للحفاظ على ذاته التى يقلق من تلاشيها أو سحقها لذلك فالوصول إلى السلطة يعتبر بمثابة دعم للذات وهو طول الوقت يحاول أن يزيد ويقوى من سلطاته لأن ذلك يدعم ذاته الهشة المهتزة , وفى مرحلة معينة تمتزج الذات بالسلطة فيصبحان شيئا واحدا لذلك تصبح السلطة بالنسبة له مسألة حياه أو موت وليست شيئا يمكن الإستغناء عنه فى وقت من الأوقات , وهذه هى اللحظة الفاصلة أو المرحلة الفاصلة التى يتحول عندها صاحب السلطة إلى مستبد أبدى ويصل إلى نقطة اللاعودة ولا يتخلى عن السلطة طواعية مهما كانت الأمور لأنه توحد معها وأصبحت جزءا من نسيجه النفسى , وربما يكون هذا وراء تحديد فترات السلطة فى الدول الديموقراطية حتى لا يصل الشخص المعرض لذلك إلى تلك الحالة المرضية . أما الشخص النرجسى فهو يشعر شعورا مبالغا فيه بذاته ويتصور أنه متفرد وأنه شئ خاص جدا وأنه محور الكون وأن لديه ملكات لا يملكها غيره وأنه جدير بكل الحب والإحترام والتقدير , لذلك يحاول أن يضع نفسه حيث يراها فنراه يهتم بصحته ومظهره وشياكته بشكل واضح ويبذل جهدا كبيرا للوصول إلى مستوى النجومية والتألق فلديه ذات متضخمة من البداية ويشعر أن الجماهير التى يحكمها محظوظة بحكمه إياها وكلما اتسعت سلطته طولا وعرضا وزمنا كلما تضخمت ذاته أكثر وأكثر حتى يصعب عليه فى مرحلة من المراحل أن يرى بجواره أحد فهو الملهم والعظيم والقادر والحكيم , وتتعقد الأمور حين يعمل من حوله من المتزلفبين والمنتفعين على النفخ فى هذه الذات لتتضخم أكثر وأكثر حتى تمحو ما حولها ويشعر صاحب السلطة بامتلاكه لكل شئ وبتوحد الوطن مع ذاته , وهذه هى نقطة اللاعودة التى يصعب عليه عندها ترك السلطة طواعية لأنه ابتلع الوطن فى ذاته المتضخمة . وفى الحالتين نلاحظ حالة من التوحد بين ذات صاحب السلطة وبين الوطن على اختلاف دوافع التوحد ومبرراته , وهذا موقف فى غاية الخطورة لأنه يضع الجميع فى ورطة فقد أصبح الوطن فى هذه الحالة رهينة فى شخصية الحاكم وتصبح عملية الفصل غاية فى الخطورة ( مثل عملية فصل التوأمين المتصلين ) لأنها تحمل فى طياتها احتمالات تدميرية ربما تودى بالحاكم والوطن أو تكبدهما خسائر فادحة تستمر لسنوات طويلة .
ومن هنا نفهم مغزى عزل سيدنا عمر رضى الله عنه لسيدنا خالد بن الوليد وهو فى قمة انتصاراته وعظمة فتوحاته المذهلة , فكأن عمر خشى على خالد من الفتنة ( تضخم الذات ) وخشى على المسلمين من الإعتقاد بأن النصر يأتى به خالد , وعمر رضى الله عنه صاحب رسالة تهمه القيم أكثر مما تهمه الفتوحات لذلك لم يتردد فى عزل خالدبن الوليد قبل أن يدخل فى مرحلة الخطر كما ذكرنا على الرغم من أنه صحابى جليل وسيف الله المسلول . ويبدو أن سيدنا عمر رضى الله عنه كان يقظا لهذا الأمر فى نفسه وفى غيره , فحين ولى أمر المسلمين وقف فيهم وقال : " قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن وجدتم فىّ خيرا فأعينونى وإن وجدتم غير ذلك فقومونى " , وكان دائم اللوم والتقليل لنفسه وكأنه يلجمها ويحميها من الزهو أو التضخم .
* التلوث السيكوباتى والفساد : كما قلنا من قبل فإن الشخصية البارانوية والشخصية النرجسية هما أكثر شخصيتين يسعيان نحو السلطة , والسلطة بالنسبة لهما احتياج شخصى لتدعيم الذات وتضخيمها لذلك نراهما فى طريق سعيهما للسلطة ينتهكان الكثير من القيم أو الأعراف أو القوانين تحت زعم " الغاية تبرر الوسيلة " أو تحت وهم أنها ضرورات مرحلية يتم فيها التجاوز عن بعض المحظورات , وحين تصل هذه الشخصيات إلى السلطة وتذوق طعمها وتتوحد معها تتأكد أنه لا وجود لها بدون السلطة لذلك تستمر فى محاولات الإستبداد بالسلطة والتشبث بها وهذا يستدعى ممارسة سلوكيات سيكوباتية للتحايل والإلتفاف والتلفيق والخداع والكذب , وتصبح هذه الأشياء من ضرورات الإستمرار فى اغتصاب السلطة , وهكذا يحدث التلوث السيكوباتى لشخصية صاحب السلطة وينتشر هذا التلوث فى كافة جوانب المجتمع فى صورة فساد عام , والفساد هنا ضرورة بقاء حتى يحدث تناغم بين المنظومة السلطوية والمنظومة العامة , وكل هذا يحدث طبقا للمعايير السيكوباتية التى تهتم بالمبالغة فى إعلان عكس ذلك فنجد مبالغة فى الحديث عن الشفافية والطهارة والمبالغة فى الطقوس والمظاهرالدينية الخالية من روحانيات الدين , فى الوقت الذى يستشرى فيه الفساد ويتوحش .
* إدمان السلطة : يحدث الإدمان نتيجة الشعور بعائد التعاطى من نشوة وانبساط ويحدث أيضا نتيجة ارتباطات شرطية تثبت السلوك الإدمانى وتدعمه , ولا شك أن السلطة تعطى نشوه ويحدث معها ارتباطات شرطية مدعمه وذلك بما تعطيه لصاحبها من مكانة وتميز وما تضفى عليه من هالة وما تهيؤه له ولأسرته من هيبة وما تتيح له من خضوع الناس واستعدادهم لخدمته والتفانى فى تلبية ما يريد . هذا الوضع حين يستمر طويلا يؤدى إلى حالة من إدمان السلطة , وكما هو الحال فى صعوبة علاج إدمان المخدرات أو إدمان التدخين أو إدمان أى شئ فإن علاج إدمان السلطة يكون غاية فى الصعوبة وقد يصل إلى درجة الإستحالة , فالسلطة شهوة من أقوى شهوات النفس فى حياة الإنسان وخاصة حين يتجاوز الإنسان مرحلة الشباب ( التى تكون فيها الشهوة الجنسية هى أقوى الشهوات ) , ولذلك كان بعض المعترضين على نظرية فرويد فى الغرائز يقولون بأن الغريزة الجنسية ليست هى الغريزة الوحيدة المحركة للسلوك فى كل مراحل العمر , حتى وإن كان ذلك صحيحا فى المراحل المبكرة من العمر إلا أنه فى مراحل تالية كثيرا ما تتفوق عليها غرائز أخرى مثل غريزة جمع المال أو غريزة السلطة , ونحن نرى رجالا كثيرين لا يهتمون كثيرا بالموضوعات الجنسية خاصة فى المراحل المتأخرة من عمرهم ولكنهم يهيمون عشقا ويضعفون أمام إغراءات السلطة أو المال .
* العزلة وافتقاد الحياة الطبيعية :فصاحب السلطة يعيش حياة تحوطها المحاذير والقيود , فعلى الرغم من تمتعه بسلطات واسعة تبهر من يراه من بعيد إلا أنه محاط بآلاف المحاذير فهو غير قادر أن يعيش حياة تلقائية عفوية مثل بقية الناس وغير قادر على التجول فى الشوارع وارتياد المحلات والشواطئ والمنتزهات العامة , وكل تعاملاته مع الناس تحدث من وراء ستار لذلك فهى تعاملات غير صادقة وغير أصيلة وغير حقيقية , فكل المحيطين به يظهرون له الولاء والطاعة ليس بدافع من حب حقيقى وإنما بدافع من خوف حقيقى من سطوته , لذلك فهو محروم من المشاعر الطبيعية التى يتعامل بها البشر مع بعضهم . لذلك فالإستمرار فى السلطة لفترات طويلة يؤثر بالسلب فى شخصية صاحب السلطة حيث يبعده عن حقيقة الحياة وطبيعتها وعن حقيقة الناس ومشاعرهم ويفرض عليه وجودا كاذبا خادعا فهو لا يرى الحياة إلا من خلال تقارير تعكس وجهة نظر من كتبوها ولا يرى من الناس إلا أقنعة لبسوها رغبا ورهبا , ولا يبقى له من معرفة بالحياة الحقيقية إلا ذكرياته عنها قبل أن يجلس على كرسى السلطة وكلما تقادم به العهد فى السلطة خفتت هذه الذكريات فلا يبقى بينه وبين الحياة الحقيقية أى ارتباط . وهذا أحد الأسباب الذى جعل الدول الديموقراطية تحول دون أبدية السلطة حفاظا على السلامة النفسية لصاحب السلطة وحفاظا على صحة العلاقة بينه وبين شعبه .
* سكرة السلطة : وهى تعنى ذهول صاحب السلطة عن الواقع المحيط به ( باستثناء ما يهدد السلطة ) وعن العواقب الدنيوية والأخروية لأفعاله , وعن احتمال زوال السلطة , وربما يضطرب لديه الإحساس بالزمان والمكان نظرا للظروف التى تعطيه إحساسا بإمكانية كل شئ ( على الأقل فى إطار احتياجاته الشخصية ) , فصاحب السلطة يعيش حالة خاصة من الوعى تؤثر كثيرا فى إدراكه وفى قراراته .
* الإغراء بالقدرة : فالسلطة قدرة قد تبدو لصاحبها هائلة وغير نهائية , وهذا يغريه بتفعيل هذه القدرة المتاحة واستخدامها فى تحقيق ما يريد دون النظر لكثير من المعايير المعتادة لدى عموم الناس , والمثل الشعبى يصور هذا الموقف الذى تتحول فبيه القوة إلى قانون بقوله : " القوى عايب " , فعند مرحلة معينة من الشعور بالقدرة والسيطرة يشعر صاحب السلطة بأنه هو القانون والدستور وكل شئ , فإذا وقفت إحدى مواد الدستور حائلا بينه وبين إحدى رغباته أو احتياجاته فلا مانع أبدا من تغيير هذه المادة أو حتى تغيير الدستور أو تعطيله أو إلغائه وعمل دستور جديد يحقق له ما يريد مع إعطاء قناع قانونى زائف لكل هذا كاستفتاء الجماهير على الردستور الجديد وتزييف إرادتهم خلال عملية الإستفتاء , وسوف يجد صاحب السلطة من حوله ومن تحته من هم جاهزون لعمل كل ما يريد فهم أيضا عبّاد للسلطة ولأصحابها .
* العناد : وهو شعور مركب يتكون من الغرور والكبر واحتقار الآخرين وارغبة فى السيطرة المطلقة واغتصاب إرادة الآخرين بحجة أن الشخص المعاند هو الأعلم والأحكم والأقدر , وأن الآخرين جهلاء وقصّر . والعناد يحمل قدرا كبيرا من العدوان لأنه يبعث برسالة للرعية بأنها ليست ذات وزن حتى يستجيب لها صاحب السلطة , وبأنه ليس فى حاجة إلى إرضائها أو استرضائها فهو متحكم فيها بقوته وسطوته وليس برضاها أو قبولها
* الجمود : وهوسمة للنظام الذى يفتقد الأمان فيلجأ إلى تثبيت الأوضاع وتجميدها لأن الحركة عنده تعنى تهديد الإستقرار , وشعار هذا النظام : " استقرار الإستمرار واستمرار الإستقرار "
* الإحتراق ( الإفلاس ) : ويجدث حين تطول مدة الحكم حيث تسرى حالة من الملل والفتور حياة السلطة وصاحبها نتيجة للروتين والتكرار الطويل الممل , وقد يحاول صاحب السلطة إيهام الآخرين بأن ثمة تجديد يطرحه من وقت لآخر من خلال بعض الإجراءات الهامشية السطحية , ولكن يكتشف الجميع بعد وقت قصير أن الأمور كما هى وأنه لم يعد هناك غير الفتور والملل اللانهائيين
* الشيخوخة : قد تشيخ السلطة فتصبح غير قادرة على استيعلاب منظومات الحياة الحديثة أو تصبح غير قادرة على مواكبة الأحداث كما ينبغى , لذلك تتمسك بالأنماط القديمة والشعارات القديمة , وتصبح حركتها بطيئة وبليدة واستجاباتها باهتة شاحبة , ولا تستطيع مواكبة حركة الزمن والأحداث , وتسعى إلى تكبيل حركة المجتمع وضبط إيقاعه بما يتناسب مع الإيقاع البطئ لصاحب السلطة
*عبادة الأبناء: حين يكتشف صاحب السلطة أن أبديته مستحيلة يلجأ مباشرة إلى السعى نحو الأبدية عن طريق توريث الأبناء الذين هم امتداد طبيعى لذاته التى عاش يعبدها ويسخر كل شئ من أجلها , لذلك يتشبث بتوريث أحد الأبناء والذين يصبحون بالنسبة له حبل نجاة من الفناء والإنتهاء , ولذلك يعبدهم كامتداد لعبادته لذاته ويضحى فى سبيلهم بمصالح الوطن والرعية .
الوقاية والعلاج :
مثل أى مرض معروف تحتاج أمراض السلطة لإجراءات وقائية وعلاجية تحول دون حدوثها وتخفف من آثارها على صاحب السلطة وعلى الرعية , ونذكر من هذه الإجراءات ما يلى :
1- شرعية السلطة : بمعنى أن تكون منتخبة انتخابا حقيقيا بواسطة جموع الناس , فهذا يعطيها ولاءا واحتراما لمصالحم , واعترافا بإرادتهم
2- مدة السلطة : كلما طالت مدة السلطة كلما استفحلت أمراضها حتى تصل إلى مرحلة اللاعودة عند نقطة معينة , ولذلك حرصت الدول الديموقراطية المتقدمة – كما قلنا- على تحديد فترتين للرئاسة ولا يجوز التمديد أو الإستمرار أكثر من ذلك مهما كانت عبقرية الرئيس وإنجازاته
3- مساحة السلطة : فكلما ازدادت مساحة سلطة الفرد أو كانت تلك السلطة مطلقة كلما كانت احتمالات أمراض السلطة عالية لأن السلطات الواسعة أو السلطة المطلقة تغرى صاحبها بالإستبداد والطغيان مهما كانت بداياته طيبة ومتواضعة
4- مابعد السلطة : بمعنى أن يكون هناك تصورا واضحا لحياة كريمة بعد السلطة ينعم فيها صاحب السلطة بحياة هادئة وجميلة , بحيث يخرج من السلطة شاكرا مشكورا راضيا مرضيا لكى ينعم بحياة شخصية وعائلية هادئة بعد أن أدى لوطنه حقه بشرف وإخلاص .أما إذا كان هذا المفهوم غامضا فإن صاحب السلطة يتشبث بها خوفا من الضياع أو المحاسبة أو الإنتقام أو التشفى أو الإنتقام , ولا يترك السلطة حينئذ إلا بالموت .
5- المحاسبة : بحيث يتم محاسبة صاحب السلطة أولا بأول عن أفعاله وتصرفاته حتى لا تتضخم أخطاؤه ويصل إلى نقطة اللاعودة فيضطر لأن يأخذ الوطن رهينة يحمى بها حياته وحياة أسرته.