كثير منا يشرع في استخدام ما تناله يداه دون تدقيق في أصلها ومصدرها؛ ولا شك بأن هذا أمر ضروري وخاصة إذا ما تعلق الأمر بأشياء طبية ودوائية أو حتى مستحضرات تجميل!
ولكن قبل المضي في كلامنا فلابد بأن تدرك بأن الهدف من هذه السلسلة: الإفادة ونقل المعلومات المفيدة، الماتعة، والمفاجئة للبعض! وكذلك التأكيد وبشدة على أن الأشياء الصغيرة –كالحشرات مثلاً- يمكنها أن تصبح أشياءاً كبيرة ذات قيمة وشهرة عالية!
وهذه لمحة لكل إنسان بألا يتوقف عن صعود القمم وألا يحقّر من شأن نفسه بتاتاً؛ بل لا بد وأن يتحلى بأمل يوصله إلى معالي الدرجات بحول الله وقوته
أحمر الشفاه!
الكثير منا يتساءل لما ارتبط اسم هذا المنتج باللون الأحمر؟
وعلّ الإجابة تكون أن أحمر الشفاه ذاك ارتبط كثيراً بذلك اللون الأحمر المعروف باسم (الكارمين) (Carmine) وهو درجة من درجات القرمزي، وله قيمة رسمية يمكن تطبيقها -على سبيل المثال- في برامج التصميم مثل (Photoshop) من خلال الرمز (960018#).
وأصل هذا اللون هو ملح ألومينيوم حمض الكرمينك (Carminic Acid) والذي يمكن الحصول عليه من خلال بعض الحشرات كالدودة القرمزية!
دعونا في بضع سطور نتعرف على تلك الدودة المثيرة وكيفية استخلاص الصبغة منها :)
ولكن قبل ذلك فلنذكر بأن أول أحمر شفاه صلب قد تم انتاجه في العالم كان بيد العالم المسلم (أبو القاسم الزهراوي) في كتابه (التصريف لمن عجز عن التأليف)!
الدورد القرمزية (Cochineal) هي من الحشرات الحرشفية التابعة لعائلة (Dactylopius)، وتستوطن هذه الدودة مواطن عدة من قارة أمريكا الشمالية: كجنوب أمريكا، والمكسيك، وصحراء الأريزونا.
تعيش الدودة القرمزية على نبات الصبار وتتغذى على السائل الذي بداخله عن طريق فمها الذي يشبه المنقار.
يبلغ طول من هذا الحشرة حوالي النصف ملم، ويملك الذكور منها أجنحة وذلك عكس إناثها؛ وتنتشر إناث هذه الحشرة عادة أكثر من ذكورها، إذ إن الذكور تعيش مدة قصيرة تكون كافية لإخصاب البيض.
وبفقس البيض فإن يرقات هذه الدودة تقوم بتغطية أنفسها بمادة شمعية بيضاء لحمايتها من العوامل الخارجية وكذلك حرارة الشمس العالية، ولذا يختفي لون هذه الحشرة القرمزية خلف هذه الأغطية من الشمع.
يتم الحصول على صبغة الكارمين من خلال إناث هذه الحشرة وذلك بغمسها في الماء الساخن بعد جمعها؛ أو تعريضها للشمس أو وضعها في الأفران لتجفيفها.
وهذه الحشرة يمكن الحصول من خلالها على ألوان صبغية متعددة وذلك حسب مدة ونسبة التجفيف، ولذا لابد حتى يتم الحصول على اللون المثالي بأن يتم تجفيف الحشرة إلى 30% من وزنها الأصلي.
يمثل حمض الكارمينك نسبة من 19-22% من جسم الحشرة بعد التجفيف، ويُحتاج إلى حوالي 100 ألف من هذه الحشرات لإنتاج كيلوا جرام واحد من صبغة الكارمين، والذي يباع بحوالي 20 دولاراً.
بعد جمع حمض الكارمينك، يتم بعد ذلك مزجه مع أملاح الألومينيوم أو الكالسيوم لتكوين ملح الحمض لتكوين الصبغة القرمزية، وتعتبر دولة البيرو هي أكبر دول العالم تصديراً لصبغة الكارمين.
ولا يقتصر استخدام صبغة الكارمين على أحمر الشفاه فقط؛ بل تستخدم كذلك في صناعة الأنسجة، والمواد الطبية، والمواد الغذائية ومنها بعض العصائر بإكسابهم جميعاً ذلك اللون القرمزي المميز.
وبعد هذا المقال.. إن كنت ممن يكرهون الحشرات هل ستفكر جدياً في عدم اقتناعك باستخدام شيء تنتجه حشرة؟