شلة الموج الهادر
وفاة الأم تفتح عيون الأبناء على 9 ملايين درهم طمعاً
وفاة الأم تفتح عيون الأبناء على 9 ملايين درهم طمعاً
عندما تسدُّ الأموال أفقَ الثوابت، لتُشكِّل غمامة تحول دون القيم السامية، وعندما تصبح الحاجة أُمَّ الطرق الملتوية للكسب السريع، فعندها يغيب الضمير، لتنبري الوساوس إلى اصطناع كل السبل لمآرب سيئة، أفراد أسرة يحتاجون إلى أموال، أرادوا أن يفبركوا قصة من وحي الخيال، ولو على حساب وفاة أمهم التي فارقت الحياة بعد مرض دام ثلاث سنوات، أرادت تلك الأسرة، أن تقتبس منه سيناريو للوصول إلى مآربها، علها تظفر بمال طالما حلمت به. ولعل القصة التي بين أيدينا، تضعنا أكثر أمام هذه الحبكة الدرامية التي كان مؤلفها «الابن الأصغر».
3 سنوات قضتها في رحلة العلاج من أمراض القلب التي تعرضت لها، انتهت فصولها بوفاتها متأثرةً بمضاعفات آخر العمليات الجراحية التي خضعت لها، وكان على أسرتها أن تكمل حياتها متقبلة واقعها الجديد، من خلال التأقلم مع وفاة والدتهم، إلا أن عودة ابن المتوفاة الأصغر، الذي يدرس في الخارج إلى الدولة، لحضور مراسم تشيع جثمان والدته، وهو يحمل في مخيلته حلم الثراء وجني المال، عبر تلفيق سبب الوفاة للمستشفى والطبيبة المختصة.
فأسرة الأم المتوفاة، عاشت تحلم في أن تُنهي أزماتها المالية المتتالية بين ليلة وضحاها، ولم يترددوا لحظة في قبول العرض الذي قدَّمه لهم الابن الأصغر، وبدأ الأبناء يفكرون في طريقة لاستغلال فترة خضوع والدتهم للعلاج ووفاتها، في الحصول على مبالغ مالية، يتحولون بها إلى أثرياء من دون تعب أو مشقة.
تلفيق
وبعد مشاورات، توجه الأبناء إلى محكمة أبوظبي المدنية، خصماء للمستشفى والطبيبة المختصة التي أجرت العملية، موضحين أن فصول الدعوى بدأت عند إصابة الأم بوعكة صحية، نقلت على إثرها إلى قسم الطوارئ بأحد المستشفىات الحكومية، ووفقاً للتقارير الطبية، تم إدخال الأم إلى غرفة العمليات، وإجراء عملية زراعة شرايين.
وأمام المحكمة، قال أحد الأبناء شارحاً لدعواه، أنه قبل 3 سنوات، خضعت والدته لأول عملية جراحية في منطقة القلب، وتم تغيير ثلاثة شرايين، وبسبب تسرع إدارة المستشفى، أخرجت المريضة من المستشفى، فعاودتها الآلام بعد 8 أشهر، وأدخلت مرة أخرى للمستشفى، حيث قرر الأطباء بعد وجودها تحت الملاحظة لفترة زمنية، تركيب بطارية لتنظيم دقات القلب، ونتيجة الخطأ الذي ارتكبته الطبيبة المختصة بإجراء العملية، أصيبت المريضة (الأم) بنزيف حاد في الصدر، أسفر عن وفاتها بعد إجراء العملية بعامين.
مطالبة وتحقيق
وطالب الابن، هيئة المحكمة القضاء، ببراءة ذمة والدته المتوفاة من أي نفقات أو مطالبات أو أضرار تخص المستشفى طوال وجودها بالمستشفى منذ دخولها وحتى تٌـٌـمـــ༄༅ـٌـٌإأإآمـ إخراجها منها، والحكم بإلزام المستشفى والطبيبة التي أجرت لها العملية الثانية، مبلغاً وقدره 9 ملايين درهم، كتعويض عن كافة الأضرار والخسائر والتكاليف التي لحقت بوالدته من جراء الخطأ الطبي الذي ارتكبته المستشفى والطبيبة، مع الفائدة القانونية من تاريخ إقامة الدعوى وحتى السداد التام.
وأجاب وكيل المستشفى، بمذكرة طلب فيها رفض الدعوى لعدم الصحة والثبوت، وإحالة ملف المريضة للجنة العليا للمسؤولية الطبية للكشف عليها، وبيان حالتها الصحية، وبعدها، قضت المحكمة بندب اللجنة المذكورة لإيقاع الفحص الطبي على المريضة.
وبعد شهرين، أودعت اللجنة الطبية المختصة، تقريرها، الذي انتهت فيه إلى أنه لا يوجد خطأ طبي أو إهمال من قبل الأطباء المشرفين على علاج المتوفاة أثناء وجودها في المستشفى، وبناء عليه، حكمت المحكمة برفض الدعوى، وألزمت الأبناء بالمصروفات.
طعن
لم يرضَ الأبناء بهذا الحكم، فطعنوا عليه بالاستئناف، فقضت محكمة استئناف أبوظبي، بقبول الاستئناف شكلاً، وفي الموضوع برفضه، وتأييد الحكم المستأنف، وإلزام المستأنفين بالرسوم والمصاريف.
فقدم الأبناء طعناً على الحكم بالنقض، بواسطة محامٍ، بموجب صحيفة أودعت مكتب إدارة الدعوى، عاب فيها على الحكم المطعون فيه، بالقصور في التسبيب والاستدلال، والإخلال بحق الدفاع، ملتمساً في ختامها نقض الحكم المطعون فيه، وإعادة القضية إلى المحكمة مصدرته، لنظرها من جديد بهيئة مغايرة.
وأجابت المستشفى بواسطة إدارة قضايا الحكومة بدائرة القضاء أبوظبي، بمذكرة، دفعت فيها أصلياً بعدم قبول الطعن في حقها، فيما قدم محامي الطبيبة التي أجرت العملية، مذكرة طلب في ختامها رفض الطعن.
وقدم الأبناء أربعة تقارير طبية، تثبت عكس ما ورد في تقرير اللجنة، مشيرين إلى أنهم قد دفعوا بعدة طعون جوهرية أمام محكمة الموضوع بدرجتيها على تقرير لجنة الخبرة، إلا أن المحكمة لم ترد عليها، كما أنها لم تستجب لعدة طلبات، منها ندب لجنة طبية أخرى، أو إعادة المأمورية إلى اللجنة لبحث الاعتراضات التي أبداها على التقرير.
نقض
وقالت محكمة النقض: إن هذا النعي غير سديد، ذلك أنه من المقرر أن تحصيل فهم الواقع في الدعوى وتقدير أدلتها من سلطة محكمة الموضوع، طالما لم تعتمد على واقعة بغير سند، وبينت الحقيقة التي اقتنعت بها، وأوردت دليلها، وأقامت قضاءها على أسباب سائغة تكفي لحمله.
وأضافت: إن تقرير اللجنة الطبية، الذي جاء في خلاصته ما يفيد أن المتوفاة أجريت لها عملية قلب مفتوح، واجتازت العملية بشكل جيد، وغادرت المستشفى في حالة جيدة، وأن إجراء عملية القلب المفتوح للمتوفاة، كان ناجحاً عند زرع بطارية تنظيم نبضات القلب من قبل الطبيبة المختصة، إذ تمت حسب الأصول الطبية المتعارف عليها، وكانت مبررة من الناحية الطبية، وحدوث النزف المفاجئ في الرئة اليسرى أثناء عملية زرع بطارية نبضات القلب، تعتبر من المضاعفات المتعارف عليها طبياً، رغم كونها نادرة الحدوث، ولا يوجد خطأ طبي أو إهمال من قبل الأطباء المشرفين على علاج المتوفاة أثناء وجودها في المستشفى.
وتابعت: إن الاعتراضات المقدمة من أبناء المتوفاة على تقرير اللجنة، لا ينال منه شيئاً، وإن ما ذهبت إليه محكمة أول درجة ومحكمة الاستئناف، من استنادها في حكمها إلى هذا التقرير، يكون موافقاً لصحيح القانون، والذي تؤيده المحكمة.