المبدع هو من يخلق ما لا مثيل له من فن أو فكر أو عمل،
فيأتي خلقه متقناً ومتميّزاً عن كلّ ما سواه. ولا بدّ للمبدع أن يسكب كلّ حبّه في إبداعه،
لا بل يضع فيه من ذاته ويطبع بصماته عليه.
ومن الإبداعات الّتي جمّل بها الإنسان هذا العالم، فنّ الكتابة.
فالكتابة, وهي صياغة الكلمة، لا تصبح إبداعاً إلّا إذا انطبعت بروح الكاتب،
فتلمس قلب القارئ وتنير عقله.
وتمسي القطعة الأدبيّة هي المبدع لأنّها تعبّر عن أفكاره وهواجسه ومشاعره وأحلامه.
كما تصبح هويّته الأساسيّة تعرّف عنه وتعكس صورته.
والكاتب ليس مؤلّفاً وحسب وإنّما هو كذلك المصغي للوحي، يستنير بنور الكلمة ليجسّدها على الورق.
وإن لم يفعل صار أشبه بخائن لها. وعندما يجسّد هذه الكلمة لا بدّ أن تمتلك شيئاً من خصوصيّته وإلّا بدت للقارئ جافة وباهتة.
وأقول وحياً، لأنّ الوحي فقط متى تجسّد كلمات أدخل إلى روحنا لذّة العودة
إليه لقراءته مرّات ومرّات وفي كلّ مرّة نشعر أنّنا نقرأه للمرّة الأولى.
وهنا الفرق بين كاتب وآخر،
قد نقرأ كتاباً أو مقالاً ونشعر أنّه مجرّد معلومات منثورة بشكل منمّق أم سرد نثري أبرع كاتبه في حياكة الأسلوب ونكتفي بذلك.
وقد نقرأ آخر فيبدو لنا أنّنا دخلنا عالماً جديداً مع الكاتب وغصنا في تأمّلاته
وكأنّنا جالسون معه ويتوجّه إلينا بشكل شخصيّ.
والقطعة الأدبيّة لا تلمس القارئ إلّا إذا تفجّرت من ألم الكاتب، فالكلمات الّتي تلمس القلوب هي كلمات تنبع من آلام عميقة.
ولن تتحوّل إبداعاً إلّا إذا لامسها الألم الرّاقي وصقلها لتصبح تحفة ثمينة في متحف الحياة.
الكلمة سرّ الكاتب وقد يبقى معناها الأصليّ في قلبه بعد أن اختمرت في عقله،
يغوص فيها القارئ ليتأمّل ذاته من خلالها ويكتشف عوالم أخرى أبعد بكثير من التفصيل السّطحيّ للحياة اليوميّة.
كما يكتشف عمق فكر الكاتب لأنّ روحه الحاضرة في النّص تحاكيه بشفافيّة وصدق،
فكم من كتّاب غيّروا العالم بسلاح الكلمة، وكم منهم حوّلوا مسار التّاريخ لأنّهم ناضلوا بالكلمة