الحب من طرف واحد

الحب من طرف واحد

كثيرا ما يُبتلى الانسان بحب شخص لا يبادله المشاعر، أو يبادله لكنه يرفض السماح لمشاعره أن تظهر أو تقود حياته لسبب من الأسباب.. قد يكون السبب الدين او العفة او الخجل، او الخوف او التقاليد والأعراف..
فماذا على المبتلى بهذا أن يفعل ليتخلص من المأزق الذي هو فيه؟ وماذا على الطرف الثاني المعني أن يفعل؟ كيف يساعد مثلا الطرف الآخر على تخطي المرحلة والخروج من المأزق بسلام وبأقل الأضرار؟
قد تقولون منذ البداية أن المشكلة مشكلة الطرف الأول فقط أي الذي يحب، أما المحبوب فلا شأن له بالمشكلة ليس لأنه لا يعاني فقط، ولكن أيضا لأنه ليس هو المتسبب بالمشكلة..
وهذا ما يفهمه معظم الناس في هذا الزمن.. حتى تجد الواحد منهم يقولها صراحة وحتى على الملأ، وحتى أمام من يحبه: وما دخلي أنا ؟ هي مشكلته وليست مشكلتي!!
والحقيقة الزائغة أنها مشكلة الطرفين معا ان كانت هي مشكلة فعلا.. فالطرف الأول ايضا بإمكانه أن يصبح أنانيا لا مباليا بدوره حتى يقول لك : لولا وجود هذا الشخص ما وقعت في مشكلة حبه!! بمعنى أن حتى وجود المحبوب بذاته يعتبر مشكلة ونقمة، بدل أن يكون حلا ونعمة في نظر هذا الأناني اللامبالي!!
والحقيقة الدامغة أن الحب كله بجميع أنواعه، ومهما تكن دوافعه وأسبابه وعوامله هو نعمة من الله وليس نقمة.. إنما البشر هم الذين يحولونها الى نقمة ومشكلة وأزمة بتصرفاتهم غير المنطقية وغير المسؤولة وغير الصحيحة..
ذلك لأن المفروض على من حباه الله بها أن يعرف كيف يستمتع بها، ويستفيد ويستغل ويستثمر، دون أن يؤذي نفسه ولا غيره.. أقصد أن يتحرى المرء الحلال والتقوى والعفاف، ويتجنب الحرام والظلم والفساد في التعامل مع هذه النعمة العظيمة القدر والقيمة.. ويجعلها السبيل الذي حباه الله به للسعادة في الدنيا والآخرة، حتى ولو لم يكتب له أن يعيش حياته في الدنيا مع من أحب.. ذلك لأنه سيؤجر بإذن الله ورحمته على صبره وتعففه، ورضاه بما قسمه الله له وبما ابتلاه به..
فعلى من ابتلي بالحب من طرف واحد أن يصبر ويتقرب الى الله بأداء الفرائض كما ينبغي، والزيادة عليها بالنوافل كلما امكنه ذلك وخاصة الصلاة والصدقة.. وبصورة أخص قيام الليل والدعاء والإنفاق، والتصدق على الأهل والقرابة والجيران والمعارف.. ثم عليه أن يأخذ بالأسباب، فيبعد عنه كل شيء يذكره بمحبوبه.. واذا تذكره في لحظة ما، عليه أن يركز في تذكره على عيوب المحبوب، والأشياء والتصرفات التي يكرهها فيه..
أما الذي يشعر بأنه محبوب من شخص آخر لا يبادله المشاعر.. فعليه أن يتلطف في التعامل مع ذلك الشخص.. لا يحرجه ولا ينبذه ولا يهجره ولا يسخر منه، ولا يرفض له دعوة لحديث او جلسة في اطار شرعي وفي مكان عام.. لا يتصرف معه تصرفات مريبة قد تؤثر عليه أو محيطه..
اتذكر هنا ما حكى لي احد الاصدقاء أنه استمع لنصيحة صديق آخر له ونفذها ثم ندم عليها.. النصيحة كانت تقضي بأن يتصرف المحبوب تصرفات شيطانية سيئة تجعل من يحبه يقلع عن حبه ويكرهه لتلك التصرفات..
ذلك الصديق نفذ النصيحة بالحرف، وصدرت منه تصرفات لا تليق به ابدا.. والنتيجة أصبح موضوع حديث كل الناس وسخريتهم وسخطهم.. مما أثر سلبا حتى على سمعة الذي احب ومحيطه!!
هناك شيء آخر لا بد من الحديث عنه وهو ما يتعلق بالبوح او التصريح بالحب من طرف لآخر.. مبدئيا يجب وينبغي التصريح بالحب واخبار من نحب بأننا نحبه.. ويفضل ان يكون ذلك بصريح العبارة.. اي عبارة لا تحتمل التأويل بل تفهم مباشرة.. وتكون العبارة مكتوبة او منطوقة طبعا، وجها لوجه او بوساطة موثوقة.. وهذا تفاديا لكل شك وريبة وتساؤل وندم فيما بعد.. بعضهم يلجأ الى أساليب غير سليمة في الاخبار والتصريح.. كأن يشهر بنفسه او الطرف الآخر بمكتوب او منشور او حديث مع الاصدقاء.. ومثله أن يلاحق المحبوب ويضايقه ويحرجه ويناديه في كل مكان وكل وقت بشكل او بآخر.. هذا سيء جدا وتعد وظلم في حق المحبوب والمحب على حد سواء.. ثم انه ليس من التحضر والسمو في شيء.. الحب احساس جميل سام يحتاج لسلوك جميل ورفيع..
أما المعني اي المرسل اليه او المتلقي فعليه ان يرد بنفس الصراحة والوضوح في حالة الإيجاب.. أما في حالة السلب اي اذا كان لا يبادل الشعور، فيجب ان ينظر أولا في طبيعة الطرف الآخر.. هل سيتحمل الصدمة؟ ويسأل عنه وعن صفاته؟ فاذا بدا له انه سيتحمل رد عليه بصراحة، انه لا يبادله الشعور او ان شعوره يوجد في محل آخر.. اما اذا كان لا يتحمل.. فيجب ان يخبره بالتدريج على دفعات بالتلميح قبل التصريح.. ولو اخذ منه ذلك زمنا معتبرا.. وعليه ان يوحي له بكل الوسائل المقبولة، أنه ليس الشخص الذي سينفعه في شيء.. كأن يحدثه عن عيوبه وعاداته السيئة في حياته اليومية.. ولو يضطر الى بعض الكذب في ذلك..
في النهاية وباختصار ما يجب أن يكون هو أن يتعاون الطرفان على تجاوز المحنة معا.. ويبحثا معا بوساطة او دونها عن أساليب أكثر معقولية وتحضرا ونجاعة، لمواجهة الحالة وتجاوز تداعياتها ومتاعبها وآثارها..
قبل أن أختم بودي أن احذر من تصرفات غير انسانية وغير لائقة أبدا.. كثيرا ما لاحظناها عند المحبين.. وهي نابعة من الرغبة في التملك والأنانية، والغيرة المرضية والرغبة في الانتقام.. فتجد الواحد منهم يحب فتاة لا تبادله الشعور بل ربما تكرهه.. فماذا يفعل؟ يلجأ الى الانتقام منها.. بالتعدي عليها بشكل ما مثل الضرب او السب، او التهديد او التشهير اوالاغتصاب بالمرة.. كل هذا لدفعها لحبه او قبول حبه او عرضه بالحلال او الحرام!!
وربما تجد الواحدة منهن تحب شابا، واذا لم يبادلها الشعور تلجأ الى السحر والإغراء والتشهير به، وقد يصل الأمر الى اتهامه بالتعدي عليها دون وجه حق.. وتصل الأمور الى المحاكم والأطباء والدراويش.. وتبدأ سلسلة من المشاكل والأزمات بين العائلات، قد تنتهي بالطرفين او احدهما الى ما لا تحمد عقباه كالقتل او السجن!!
إنها كارثة الكوارث أن تنصب لحبيبك فخا، أو تهدده أو تتهمه ظلما، أو ترتكب في حقه حماقة جسدية أو معنوية، ثم تدعي أنك تحبه وتبرر فعلك بأنه لا يبادلك الحب!!
اي حب هذا ؟؟ هذا ليس حب .. إنه أنانية ونزوة وشهوة دنيئة، إنه جشع ورغبة حيوانية لامتلاك شخص.. وكأن هذا الشخص مجرد شيء جامد يحق لك امتلاكه، والتصرف فيه كما تريد.. وكأنه مجرد جسد لا روح فيه ولا قلب ولا عقل.. ولا من حقه أن يرفضك ويمقتك!!
والمؤسف أن هذا النوع من الحب الرخيص السافل، يتغنى به و يشجعه حتى بعض المطربين والفنانين الكبار، في اغانيهم واشعارهم وابداعاتهم الاستعراضية والسينمائية.. أذكر أحدهم يقول في احدى أغانيه المشهورة ما معناه:
قلبكي مثل الصخرة.. أتمنى له قنبلة.. انصبها له لينفجر..
الفتاة لا تحبه كما يحبها.. اذن قلبها صخرة.. وعليه تفجير الصخرة.. انتقاما او أملا في أن تحبه !!
شيء غريب وعجيب والله.. كيف تحب فتاة وترى قلبها صخرة وتريد تفجيرها لتحبك!!
المحب الحقيقي يا جماعة الخير لا يتمنى الشر ابدا لمحبوبه.. بل على العكس من ذلك تماما.. يتمنى له كل خير وسعادة حتى ولو لم يبادله الحب.. يتمنى له السعادة حتى مع شخص آخر.. لأن كل ما يهمه في الحياة أن يعيش محبوبه حياة هنيئة سعيدة، حافلة بكل خير وما تشتهيه نفسه.. بل يتمنى السعادة حتى للشخص الآخر الذي فضلته الحبيبة عليه، وارادت العيش معه بدله.. يتمنى له ذلك فقط اكراما لحبيبته، وحرصا على سعادتها مع من تحب!!

♥нιвαт мαℓιкα♥ كتب:

موضوع قمة الروعه والجمال  أسعدني جداً قراءته  الله يعطيك العافيه

الله يعافيك ويبارك فيك
الروعة في ردك ومرورك الجميل
شكرا جزيلا لك
واتمنى ان يستفيد من الموضوع اكبر عدد من قرائه
فهذا فقط هدفي من كتابته ونشره هنا

موضوع قمة الروعه والجمال
أسعدني جداً قراءته
الله يعطيك العافيه