عبث الدنيا.... مدونتي

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أبدأ مدونتي على بركة الله: عبث الدنيا
اليوم الجمعة 02 صفر 1435هـ
الموافق لـ 06ديسمبر 2013م
على الساعة 09 و 51د.
بتوقيت الجزائر

أطلب منكم الدعاء لي بالتوفيق والرحمة والغفران إن أحسنت أو أسأت
وأجركم على الله
أسأل الله أن يلهمنا جميعا السداد والرشاد والتقوى واتباع الحق
وأن يجعل كل أعمالنا صالحة خالصة لوجهه إنه سميع مجيب
آمين يا رب العالمين برحمتك يا أرحم الراحمين

العيش

في بلاد الناس من حقك، نظرا وعملا، قانونا وتطبيقا، أن تعيش كما تريد.. لِمَا
تنعم فيه تلك البلاد من حرية واستقرار، وأمن وعدل وأخلاق واحترام للآخر...
أما في بلداننا فالعيش معركة حقيقية، في كل مجال ومكان وزمان وحال..
سواء أكنت غنيا أو فقيرا، متعلما أو جاهلا، عاملا أو بطالا.. بمالك وعلمك، وكل
ما لديك ولن تعيش كما تريد، وما بالك أن لا تملك ولا شيء.. حتى نفسك..
أنت تحتاج عندئذ أن تخوض حربا، وليس معركة واحدة فقط.. ويا ويلك إن لم
تقدر على خوضها، أو تركت أحدهم يخوضها بدلا عنك، فتصبح عبدا له.. ويا
ويلك إن حاولت الهروب من المعركة أو الحرب، وقررت الدخول في عزلة مثلا..
فلن يفيدك الحل ولو دخلت في قمقم، أو تحصنت في برج أو قلعة...

العزلة

يحتاج كل واحد منا الى لحظة حميمية يخلو فيها الى نفسه. لكن هل ستجد من
يفهمك أو يحترمك، أو يحترم رغبتك وخصوصيتك، ويتركك تخلو الى نفسك ولو للحظة
أو سويعة؟؟ أكيد لن تجد ذلك في كل الأحوال.. فكيف إذا قررت أن تعتزل الجميع،
ولمدة غير محدودة، لسبب أو آخر؟؟ كأن تشعر بعدم جدوى وجودك بينهم.. أو أنك
سئمت خوض المعارك، لتدافع عن حقك في العيش كما تريد.. من المؤكد أنهم لن
يتركوك تفعل.. لا تتسرع وتفهم كلامي خطأ.. فالمقصود ليس أنهم يحبونك، أويحتاجون
اليك أو يخافون عليك، أو يمتثلون للدين الذي ينهى عن الهجر فوق ثلاث.. بل المقصود
أن أول من سيمنعك هم أولئك الذين لا علاقة لهم بالدين، ولا يحبونك ولا يقدرونك إن
كانوا يحتاجون إليك، ولا يتمنون لك أي خير.. وما أكثرهم.. جرب وستتأكد..
أنا جربت.. وحاولت تحقيق الاكتفاء الذاتي في كل شيء وكل مجال.. ولمَّا أوشكت
على النجاح، فوجئت بهم على بابي.. يقتحمون بيتي دون استئذان.. وهم ذاهلين
مندهشين.. وسيل من الأسئلة تلوكها ألسنتهم: ما هذا؟ كيف فعلت هذا؟ كيف
أنجزت هذا؟ من أعانك؟ كيف وصلت الى هذا وحدك؟..........
وأجيبهم على مضض ولسان حالي يردد: ظهرت البغضاء من أفواههم، وما تخفي
صدورهم أكبر.. اللهم رد كيدهم إلى نحورهم.. وباعد بيني وبينهم كما باعدت بين
السماء والأرض.. اللهم لا تلاقيني إلا بعبادك الصالحين المتقين القانتين...

الاكتفاء الذاتي

تعقد الحياة وثراؤها وتشتتها جعلت كثيرا من الناس يهربون الى التخصص، حتى
لا يضطروا الى الاهتمام بكل شيء والانتباه إليه.. إلى درجة أن بعضهم لم يعد
يقدر على القيام بمهام يومية بسيطة، كتحضير وجبة خفيفة، أو ترتيب مكتبه أو
غرفته أو تنظيفهما، أو شراء مستلزمات شخصية كأدوات النظافة.. ناهيك عن
اصلاح بعض الأعطال البسيطة في البيت، كاستبدال مصباح أو بطارية أو قاطعة..
أو اصلاح عطب خفيف في الأجهزة، لا يحتاج الى فني أو تقني متخصص.. ومن
الغريب أن تجد أحدهم يشتغل في ميدان، له علاقة بتلك الأجهزة والأعطال، ومع
ذلك يستنجد بغيره، ربما غير متخصص أو غير محترف للإصلاح...
أنا لا أدعو هنا الى التهور والمغامرة بالقيام بعمل المختصين، بل ولا أدعو من لا
يعرف، أو لا يستطيع أن يعرف أو يتعلم لإنجاز أي اصلاح.. فلكل استعداداته.. إنما
الذي أدعو إليه هو شيء من الجهد والعزم والإرادة للقادر، أو لمن يملك ما يكفي
من الاستعداد للتعلم والمعرفة والفهم.. أدعو إلى مزيد من الاهتمام والانتباه،
والهمة والمثابرة والإصرار والاستقلالية.. أدعو إلى نبذ العجز والكسل، و التسيب
والخور والتواكل وليس التوكل.. أدعو إلى استثمار نعم الله التي حبانا الله بها، من
عقل وحواس وقوة وجوارح، وعلم وثقافة ودين وتقنية وأخلاق وقيم.. أدعو إلى
السعي بكل ما نملك، وبكل وعي وجدية وتصميم، إلى الاكتفاء الذاتي في جميع
المجالات.. أدعو إلى تنشئة الأجيال على ثقافة الاكتفاء الذاتي، حتى تتمكن
أمتنا وبلداننا من التخلص، ذات يوم من التبعية للغرب والشرق.. ونتمكن من انتاج
كل ما نحتاجه محليا، بأنفسنا ودون مساعدة أحد.. فبذلك فقط سيتم استقلالنا
ويكمل، في جميع الميادين وليس في السياسة فحسب..

الاستقلال

قمنا بثورات عارمة لنستقل بأنفسنا وأوطاننا عن الآخر.. المستعمر البغيض..
رائع ذلك.. رائع أن يتحقق لنا حلم الاستقلال.. ويكون لنا وطن خاص بنا وعلم
ودولة.. لكن هل الاستقلال كامل؟ هل حصلنا على الاستقلال التام في كل
الميادين؟ هل نستطيع الآن العيش بما ننتجه ونصنعه دون الحاجة للآخر؟؟
لا أظن ذلك.. يكفي أن نطلع على أخبار الساعة لندرك ذلك.. بل ونتأكد من
حجم الكارثة.. فنحن لا نزال نستورد أبسط الحاجيات اليومية كالحليب وما
شابه.. وما بالك بالحاجيات الأخرى من ضروريات وكماليات..
أيعقل بعد خمسين سنة من الاستقلال أن نستورد تلك الأشياء من أولئك
الذين كانوا يستوردونها منا ذات زمن؟؟
لكن السؤال الذي يفرض نفسه والأحرج أكثر هو: لماذا؟؟ لماذا يحدث هذا؟
لماذا لم نتخلص من التبعية؟ لماذا لم نكمل مسيرتنا؟ لماذا لم نتم عملنا؟
لماذا لم يكتمل استقلالنا؟ لماذا فشلنا في انشاء دولة حقيقية مستقلة؟
الأسباب والمبررات كثيرة ولا ريب ومتشعبة ومعقدة ومتنوعة ومتعبة.. ولا
يتسع المجال للبسط فيها.. لأن هدفي هنا هو مجرد تنبيه وتنويه بسبب
يغفل عنه الكثير.. وأراه شخصيا من صميم الأسباب وأهمها..
هذا السبب هو قلة عنايتنا بمفهوم الاستقلال الشامل، ومحاولة تجسيده
في واقعنا ومجتمعاتنا وأوطاننا، وغرسه بالتربية والتنشئة والتدريب، والتوعية
والتكوين في مواطنينا وفلسفات حياتنا.. لأن الذي حدث هو العكس تماما..
فقد تربينا كلنا إلا في الأقل على التواكل والاعتماد على الآخرين في كل
شيء حتى فيما يخصنا خصيصا كأفراد وجماعات.. فتجد الواحد منا ينشأ
على الاعتماد على والديه واخوته واخواته ثم على اقربائه وأصدقائه ومعلميه،
ثم على المجتمع والمحيط ثم على الدولة والسلطات برمتها.. حتى صرنا
ننتظر أفرادا وجماعات من يمدنا بما نحتاج اليه في حياتنا اليومية دون أن
نحرك ساكنا.. ننتظر أن يصل الينا كل شيء ليس للأكل والاستمتاع فقط
بل للبلع مباشرة في المقام الأول.. حتى صرنا نعيش سلوكات غريبة من
الشباب خاصة.. كأن تجد الواحد منهم يجاوز العقد الثاني من عمره، وهو
لا يزال يطلب المصروف اليومي من والديه.. أو تجد احداهن في الخامسة
والعشرين من عمرها ولا تزال تطلب من أمها أن تنظف لها ثيابها أو غرفتها..
فتصور كل هذا الجيش العرمرم الذي نشأ على هذا التواكل، عندما يكبر
ويستولي على زمام الأمور، والمناصب الحساسة كيف سيتصرف؟؟
كيف ستكون عليه الدولة او المجتمع الذي يسير على تعليمات وقوانين
يضعها مثل هذا الجيل؟؟ بربكم قولوا لي كيف لا يجعلوا الشعب كله يدين
بالتواكل والتبعية وانتظار الآخر؟؟ كيف لا يجعل العجز والكسل والخمول
والخور يعشش في كل العقول والجوارح والأنفس وحتى في القوانين؟؟

يا شباب احذروا..

بقدر ما تعقدت الحياة في العشريات الأخيرة، بقدر ما سهلت على الناس
القيام بأعمالهم ونشاطاتهم، في وقت أسرع ودون جهد وتعب كبيرين..
لذلك كان من المفروض أن ينعكس ذلك على الناس وأعمالهم، فيكونوا
أكثر صحة ونشاطا وانتاجا، وأكثر مساهمة في ترقية مجتمعاتهم..
لكن الذي نراه ونلمسه ونعيشه أن الناس صاروا اكثر مرضا، وأكثر نزوعا
الى الكسل والخمول، والاستهلاك والترفيه والتسلية.. على حساب
واجباتهم في احيان كثيرة.. بل كثيرا ما يتركون أعمالهم ويطلبون من
غيرهم انجازها بدلهم.. كما يحدث في اوساط الموظفين والمتعلمين...
بل حتى قواعد التنافس انقلبت رأسا على عقب.. فبعد أن كان الناس
يتنافسون في من يعمل وينتج أكثر، صاروا يتنافسون في ابتكار طرق
الراحة والتسلية، وفنون المراوغة والتسيب والمعاكسة واللهو.. وصار
الكل، إلا من رحم ربك، يتنافس في اتباع الموضة، وتغيير اللبس واللوك،
ربما لأكثر من عشر مرات في اليوم.. وصار التنافس في تبادل النكات
والنوادر، والصور والأغاني والأفلام والغرائب، والتراشق بها على النت..
طاقة هائلة ووقت ثمين ومال نفيس يهدر ويضيع في أشياء تافهة، لا تقدم
ولا تؤخر ولا تضيف في الحياة اي شيء ذي بال وقيمة...
فيا أيها الشباب استفيقوا قبل فوات الأوان.. واحذروا أن تضيعوا شبابكم
وحياتكم في اللهو والشهوات والملذات.. واحذروا ان يفوتكم قطار العمل
الصالح، فهو يغتنم في الشباب قبل الهرم، وفي الصحة قبل المرض، وفي
الغنى قبل الفقر، وفي الفراغ قبل الانشغال، وفي الحياة قبل الموت..
ويا أيها الشباب اعلموا ان الحياة أولويات يجب أن ترتب حسب الشرع أو
المنطق والعقل على الأقل.. واعلموا أن الحياة حقوق يجب أن تؤدى الى
اصحابها.. وان الحياة واجبات يجب أن تؤدى، في أوقاتها وبتمامها وكمالها..
فلا بأس أن ترتاح وتستجمم وتتسلى وترفه عن نفسك من حين لآخر..
ولا بأس أن تطلب من أحد المساعدة في أمور، لا يقدر الانسان على القيام
بها وحده.. بل ولا بأس أن تجرب وتلبس وتأكل وتتسلى على الموضة،
وأن تتبادل مع اصحابك ما تشاء على النت والواقع.. لكن ليكن ذلك كله في
حدود الدين والقيم والأخلاق، أوالأعراف والعقل والمنطق على الأقل..
فالعمل والدراسة هما الأهم.. ومساعدة الأولياء والإخوة هي الأهم..
والتعاون مع الأصدقاء وكل الناس هو الأهم.. والوفاء لدينك وقيم أمتك هو
الأهم... فهذه هي الأمور التي تستطيع بها أن تتنافس وتتميز بأمان، وتحقق
بها ذاتك وتحقق بها سعادتك، وسعادة المحيط والمجتمع.. السعادة الحقيقية
أي سعادة الدنيا والآخرة الدائمة.. وليس السعادة المؤقتة المزيفة التي
تشعر بها للحظة، وأنت تلهو وتستجيب لشياطين الإنس والجن، أو لنفسك
الأمارة بالسوء.. ثم سرعان ما تخبو لتطالبك نفسك بالمزيد، مما قد يؤدي
بك إلى إدمان اللهو.. وإلى وقوعك تحت طائلة قوله تعالى:
وَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ
فحذار.. وحذار.. ثم حذار... فالدنيا عجوز شمطاء ماكرة، قد تغدر بك دون
أن تشعر.. فتوقعك في المهالك التي تحجب النور عن البصر والبصيرة...

الاستدراج

لست هنا، وانا اتناول هذا الموضوع، بصدد الإفتاء أو تقديم حكم شرعي
او شرح نص ديني.. فأنا لست أهلا لذلك.. إنما هذه مجرد تنبيه وإلفات
نظر إلى حقيقة مرة وخطيرة، قد نغفل عنها أو نجهلها بالمرة.. أعرضها
هنا حسب معلوماتي البسيطة وفهمي المتواضع فقط...
كثيرا ما نتساءل عندما نرى شخصا يصر على معصية وهو يعلم أنها من
المعاصي وربما من الكبائر.. لماذا؟ لماذا يصر على المعصية وهو يعلم؟
الأسباب والدوافع والمبررات كثيرة ولا شك وخاصة حين تصدر عن
مرتكبها.. فهو في موقف دفاعي.. تزين له نفسه أو الشيطان أن يختلق
ألف عذر وعذر ليبرر تماديه في غيه واعتزازه بالإثم..
لكن هناك سبب أشك أن ينتبه إليه العاصي المدمن على العصيان..
وهو وقوعه في الاستدراج الذي حذرنا منه سبحانه وتعالى في قوله:
وَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ..
وكذلك قوله تعالى في هذه الآيات الكريمة:
اللهُ يَسْتَهْزِيءُ يِهِمْ ويَمُدُّهُمْ في طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ
وَأُمْلِي لَهُمْ إنَّ كَيْدِي مَتِينٌ..
إنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وأكِيدُ كَيْدًا..
والمقصود والله أعلم أن الإنسان عندما يبادر بالمعصية، تأتيه موعظة من
ربه أو فرصة ليتوب.. فإذا اغتنم الفرصة وأخذ بالموعظة فتاب وتخلص
من المعصية فقد نجا ما دامت توبته نصوحا اي توبة حقيقية لا عبثا..
أما إذا لم يغتنم الفرصة ولم يأخذ بالموعظة ولم يتب أو تاب توبة كاذبة
كالعابث أو المستهزيء، فعندئذ يعاقبه الله بالدخول في معصية أخرى
ربما أكبر لأن نواياه ظهرت سيئة بعدم توبته أو عدم جديته في توبته..
والأعمال كلها بالنيات كما هو معلوم.. ولذلك يصبح العاصي يدور في
حلقة مفرغة من المعاصي والعقوبات..

المعاصي

أول معصية في تاريخ البشر يوم عصى آدم ربه في الجنة وذاق من
الشجرة التي نهاه الله عنها هو وحواء. وتوالت المعاصي منذئذ لكن
على الأرض.. توالت وكثرت وكبرت ووصلت الى ما هي عليه الآن..
العاصي يدور في حلقة مفرغة ما لم يتب من قريب، بمجرد أن
يرتكب أول معصية.. فالمعصية تؤدي الى العقاب الذي قد يكون في
شكل معصية أخرى أو حرمان من شيء، وفي الحالتين يؤدي ذلك
بالعاصي الى معصية أخرى كنتيجة للأولى أو للحرمان..
ونحن نعلم جميعا أن بعض المعاصي حتى من الكبائر يعجل بعقوباتها
في الدنيا قبل الموت مثل عقوق الوالدين.. فما تفعله لوالديك يفعله
معك أولادك خيرا او شرا.. والنصوص والتجارب تثبت ذلك معا..
هذا ما يحدث لمن يسوف التوبة أو يؤجلها حتى يبلغ الأربعين مثلا أو
أكثر.. والغريب أنه لا يسأل نفسه: من يضمن له العيش الى ذلك
العمر؟؟ وماذا لو فقد احدى حواسه او جوارحه قبل ذلك، حتى لم
يعد يقدر حتى على الأكل أو اللبس أو الحركة أو تنظيف نفسه؟؟
والأدهى والأمر أن يتنقل من معصية لأخرى ومن معصية لعقوبة،
ومن عقوبة لمعصية حتى يفاجئه الموت والعياذ بالله..