عبث الدنيا.... مدونتي

تذكير بمساهمة فاتح الموضوع :

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أبدأ مدونتي على بركة الله: عبث الدنيا
اليوم الجمعة 02 صفر 1435هـ
الموافق لـ 06ديسمبر 2013م
على الساعة 09 و 51د.
بتوقيت الجزائر

أطلب منكم الدعاء لي بالتوفيق والرحمة والغفران إن أحسنت أو أسأت
وأجركم على الله
أسأل الله أن يلهمنا جميعا السداد والرشاد والتقوى واتباع الحق
وأن يجعل كل أعمالنا صالحة خالصة لوجهه إنه سميع مجيب
آمين يا رب العالمين برحمتك يا أرحم الراحمين

الحجر الصغير

أشياء كثيرة نتأثر بها في دراستنا. منها الدروس التي نتلقاها على يد معلمينا ومعلماتنا في
شتى المراحل التعليمية.. بعض تلك الأشياء تترك في أنفسنا أثرا كبيرا وبليغا وعميقا جدا،
إلى درجة أن لا ننساها طول حياتنا.. وكأنها محفورة أو منقوشة نقشا في أعماقنا..
في هذه الفئة تدخل قصيدة رائعة للشاعر الكبير إيليا أبي ماضي درسناها عند أحد أساتذتنا
للغة العربية في الثانوي. تلك هي قصيدة الحجر الصغير..
يتخيل فيها الشاعر قصة حجر صغير موجود في سد كبير يمد المدينة بالماء. ويصف شعوره
ومعاناته من كونه مجرد حجر صغير مغمور مغبون حقير لا يصلح لشيء، ولا يستطيع أن ينفع
في شيء.. وفي النهاية يقرر الحجر مغادرة مكانه في السد ليسقط فيرتاح ويريح حسبه..
لكن المفاجأة الكارثة تحدث بسقوطه، إذ ينهار السد فيغشى الطوفان المدينة البيضاء..
للقصة مغزى عميق وعظيم جدا. فالحجر الصغير ما هو إلا رمز لذلك الإنسان الجهول الناكر
للنعمة الذي لا يرى الحكمة من وجوده في الحياة. والسد يرمز إلى المناعة التي تحمي
المجتمع من الانهيار والتفكك والانحلال، المناعة التي تتجسد في الدين والقيم والأخلاق
والقوانين والأعراف التي يؤمن بها الناس. كما تتجسد في ما يملكه المجتمع من أسباب
الحياة الكريمة.أما المدينة البيضاء فتعبير عن المجتمع السعيد الذي يعيش في رخاء وازدهار
مطمئنا الى المناعة التي تحميه من كل شر، وتزوده بكل خير يحتاجه..
فماذا يحدث لو تخلى أي عضو مهما تكن طبيعة عضويته وقيمته ومكانته في المجتمع، عن
دوره ومكانه ومسؤوليته، وتنصل منها عن قصد أو غير قصد، لسبب أو لآخر..؟؟؟
إنه الانهيار الشامل.. ذلك لأن لكل فرد دوره في المجتمع. ولا اختلاف إلا بين من عرف دوره
وقام به، ومن عرف ولم يتحرك، ومن لم يعرف ولم يفعل شيئا..

الانتحار

يخطيء من يقول لك أن هناك من نجح في حياته مئة بالمئة. لا بد أن هناك شيء من
الفشل انتابه في لحظة ما أو ساعة أو يوم أو شهر أو سنة أو أكثر. وليس الفشل فقط
بل قد يكون مقرونا باليأس والإحباط. الفرق بين شخص وآخر في ذلك، إنما هو في درجة
التذكر والانتباه والاهتمام.. ثم يأتي التصرف المصاحب أو المعقب للفشل..
فالتصرف هو الأهم في كل المسألة. فاللبيب أو العاقل من يتخذ الفشل درجة، يصعد
بها ومنها ليرتقي وينجح.. أما من يفقد عقله لأية رجة، فقد يؤدي به ذلك الى الانتحار..
ما الذي يجعل الإنسان يفكر في مثل هذا الحل الهروبي الكارثي المشين؟
إنه الشعور بالتعب والعجز واستعجال الأمور.. فأنت إذا سألت صاحب الفكرة أجابك
مباشرة: تعبت من كل هذا.. لن أقدر على البدء من جديد.. الى متى وأنا أكرر وأعيد؟؟
ورغم أن كل ما يقوله مجرد شعور، وخوف من أعراض متخيلة لا وجود لها في الواقع، إلا
أنه شعور قوي جدا غالب مسيطر، يشل كل بادرة شعور آخر أو تصرف خيِّر في نفسه.
ومن هنا البداية. علينا أن نبدأ من هنا، ونحاول أن نخفف من سيطرة ذلك الشعور،
وتعوبضه بشعور إيجابي آخر، يفضل أن يكون من سوابق الاهتمام للشخص..
وبذلك نفتح الحلقة المغلقة التي يدور فيها فكر المعني، بل علينا كسر تلك الحلقة،
وفتح أفق جديد من الطموح والحلم والأمل، والتفاؤل بإمكانية تغير الأمور نحو الأفضل..
وفي كل الأحوال على المعني أن يعرف ويتأكد، ويؤمن أن الانتحار شر كله في الدنيا
والآخرة.. ففي الدنيا يعطي صورة بشعة للمنتحر.. فهو صندوق تتجمع فيه كل نفايات
الرذائل.. فهو جبان وأناني وسفيه وعجول، وعديم الصبر والضمير وروح المسؤولية،
وسيء الخلق وضعيف الإيمان، وقليل الحياء والثقة بنفسه وبالآخرين.. وإلا فليسأل نفسه:
ما ذنب أهله وأصدقائه ومعارفه ليفجعهم في نفسه؟ ما ذنب الذين سيقتدون به من
محيطه ومجتمعه؟ ما ذنب المجتمع الذي يضيف الى همومه هما أعظم بما أقدم عليه؟
ما ذنب كل هؤلاء إن شعرت بتعب أو عجز أو يأس، ولم تستخدم عقلك الذي وهبك الله،
لتخلص نفسك وغيرك من المأزق؟ ما ذنب كل هؤلاء حتى تفتح لهم باب شر مثل هذا؟
أما في الآخرة فحدث ولا حرج.. ولا أراني بحاجة هنا للتذكير بالوعيد الذي ورد في كلام
الله عز وجل، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يخص المنتحر.. فاتقوا الله في
أنفسكم وأهاليكم ومعارفكم ومجتمعاتكم قبل فوات الأوان...

أبواب الخير والشر

الحياة خير وشر. هكذا خلقها الله. ونحن لا نستطيع التمييز بينهما في غياب أحدهما.
ولكل من الخير والشر أبواب. بل الباب الواحد قد يستخدمه أحدنا للخير، ويستخدمه
آخر منا للشر في آن واحد. ولنأخذ الصلاة وهي باب خير في ذاتها. لكن اذا استخدمها
منافق أو مراء، أو فاسق ينتج عنها شر، شر لنفسه وربما لغيره كذلك. ومن الجهة
المقابلة نأخذ كمثال الحديدة أو السكين أو الخنجر، فهو في ذاته أداة شر خطير، لكن
ان استخدمته في التضحية بكبش العيد فقد عملت بالسنة، وانجزت عملا صالحا تؤجر
عليه، وكذلك ان استعملته في جهاد الكفار المعتدين الغزاة. أما إن استخدمته في
سفك دم دون وجه حق فأنت مجرم. ولا يتعلق الأمر بالأفعال فقط بل بالأقوال كذلك،
فبكلمة طيبة تفتح بابا للخير، وبكلمة خبيثة تفتح بابا للشر والعياذ بالله. فعليك أيها
المسلم أن تعرف كيف تستخدم ما عندك، من أشياء وأدوات ومهارات وقدرات، لتفتح
أبواب الخير وتغلق أبواب الشر..

الكلام

عندما ظهر الإسلام في مكة المكرمة، وجد العرب يقدسون كثيرا من الأشياء. فكان
أن حرم بعضها كالأصنام، وأبقى على بعضها كالطواف حول الكعبة، ورفع شأن بعضها
الآخر كالكلام. فقد كان العرب يعجبهم بل يأسرهم الكلام الجميل. فكانوا يتفاخرون
بينهم ويتبارون في نظم الشعر والتغني به، والقاء الخطب والحكم والأمثال...
ولذلك جاءت معجزة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الجانب، جانب
الكلمة المعبرة الموحية القوية الجزلة المؤثرة.. الكلمة التي تصقل الفكر واللسان
والقلب، وتحول الصخر الأصم إلى طحين ناعم، وتحول الشجر الأبكم إلى بلبل شاد..
فالكلمة لها مفعول السحر في احيان كثيرة.. طيبة كانت أم خبيثة..
والكلمة الطيبة صدقة كما جاء في الحديث الشريف.. والكلمة الخبيثة تورد صاحبها
المهالك، الى درجة ان يهوي بها في جهنم سبعين خريفا والعياذ بالله، مع أن صاحبها
يظن أن لا بأس فيها.. كما ورد في الحديث كذلك..
والكلمة احيانا أجرح من السيف كما هو معروف في الواقع.. وهي كالرصاصة.. إن
خرجت لن تعود، ولن تستطيع مراجعتها او استعادتها..
والكلمة أمانة ومسؤولية.. يجب الوعي بها والوفاء بها وتبليغها، كاملة جامعة مانعة..
فاحرص أيها المسلم أن لا يصدر عنك إلا أطيب الكلام، في كل حال وزمان ومكان..
وخاصة في الأحوال الحرجة، كأحوال الحزن والغضب واليأس..

الغضب

في لحظة ما وأنت ممسك ببندقيتك، وقد استبد بك الغضب والسخط والإحباط..
يمكن أن تطلق النار على أي كان في طريقك..
ولذلك يجب على من يكون في لحظة غضب، أن يبعد عن متناوله كل أداة خطيرة.
كما عليه أن يعدل من وضعه كما يعلمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإن
كان قائما جلس. وإن كان جالسا فليقم أو يستلقي. والأفضل كله أن يبتعد عن
المكان أو الشخص أو الشيء الذي أغضبه..
على كل منا أن يدرب نفسه ويعودها على التحكم في غضبه وأعصابه. حتى إذا
انتابه الغضب يعرف كيف يتصرف، وكيف يستعمل قدراته.. ليتخلص من الغضب
بأقل التضحيات والخسائر.. علينا أن نعود أنفسنا وندربها، على إيجاد شيء نتسلى
به حين الغضب.. والأفضل أن نجد شيئا نهتم به ويؤثر فينا كثيرا.. وينسينا الغضب
ويبعده عنا في آن واحد.. كتذكر لحظة فرح قوية أو نكتة رائعة أو منظر مدهش...
المهم ما يحول انتباهنا وفكرنا واحساسنا عن الغضب وأسبابه ودوافعه..

الفكر والإحساس

أشياء كثيرة وأحداث ومواقف نتعرض لها في حياتنا، نحتاج لمواجهتها للفكر
والإحساس أو هما معا. فأنت عندما تريد أن تحل مسألة رياضية، أو تراجع
حسابات الموارد والمصارف، تحتاج الى الفكر بالأول أي إعمال العقل والمخ..
أما إذا أردت أن تعبر عن اعجابك بمنظر جميل أو طعام لذيذ، فأنت تحتاج الى
حواسك واحساسك بالجمال واللذة مثلا.. أما إذا أردت أن تكتب أو تقرأ، فإنك
تحتاج الى الفكر والإحساس معا، بنسب مختلفة باختلاف طبيعة العملية..
وتبقى الأمور كلها نسبية.. إذ لا تخلو أمور الحياة كلها من شيء ولو قليل
من الفكر أو الإحساس أو هما معا مجتمعين في حال واحدة..

الجمال

يقول بعضهم: الجمال في عقل من يتخيله أسمى مما في عين من يراه..
ذلك لأن تقدير الجمال يختلف من حال لحال، ومن شخص لآخر، ومن ثقافة
لأخرى.. فهناك من يرى في القبح نفسه جمالا.. كأن تجد رساما لم يجد
في كل محيطه أفضل من رسم متشرد سكران مجنون بثياب رثة وسخة..
فإذا به يخلد ذلك المنظر المقرف في لوحة، تأخذ بلب أحدهم واحساسه
فيشتريها بالملايين، ويعرضها في أحسن مكان في بيته... ولذلك يؤمن
بعضهم إيمانا جازما بأن لا شيء قبيح في الوجود، بل لا وجود للقبح..
فلكل شيء جماله وسره وقيمته، تماما مثلما لكل شيء دوره في الحياة..
المشكلة فقط في الإدراك.. هناك من يدرك، وهناك من لا يدرك.. هناك من
يدرك كل شيء، وهناك من لا يدرك سوى القليل أو الملموس أو المشهور،
وهناك من يدرك الجمال في أشياء، ولا يدركها في أشياء أخرى...